التنافس بين "القاعدة" و"تنظيم الدولة" في الساحل والصحراء |
التنافس بين "القاعدة" و"تنظيم الدولة" في الساحل والصحراء (تحميل كتاب مجاني بصيغة pdf)
محمد محمود أبو المعالي
يرصد الكتاب ملامح التنافس "الجهادي" بين تنظيمي "الدولة الإسلامية" والقاعدة في الساحل والصحراء الكبرى" عبر متابعة تاريخ وجود "النشاط السلفي الجهادي المسلح" في المنطقة، ومراحل التَّشكُّل والتطور، ثم الانقسامات التي عرفتها بعض التنظيمات الجهادية، قبل أن تصل عدوى انقسام الجماعات الجهادية التي اجتاحت العالم وقسَّمتها إلى فسطاطين متصارعين؛ بدأ صراعهما على شرعية تَمْثِيل الحركة الجهادية العالمية، في المشرق العربي، واستقطاب أنصارها وجنودها والمؤمنين بفكرها وشرعية قتالها، ثم انتقال عدوى الصراع والتنافس إلى منطقة الصحراء الكبرى وشمال وغرب إفريقيا.
فقد ظلت هذه المنطقة، أي "الساحل والصحراء الكبرى"، طيلة العقدين الماضيين مجالًا حيويًّا لنشاط وتنامي حركات جهادية ترى نفسها جزءًا من تنظيم القاعدة وتدين له بالولاء، حتى جاءت مرحلة الانقسام الكبرى عشية ظهور تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" سنة 2013، ومنازعته لقيادة القاعدة، في زعامة الحركة الجهادية العالمية؛ حيث شكَّل إعلان تنظيم "الدولة الإسلامية" لـ"الخلافة الراشدة" زلزالًا ضرب مختلف الساحات "الجهادية"، وأعاد تشكيل خريطة الجماعات ذات التوجه السلفي القتالي، وصلت توابعه إلى منطقة الساحل والصحراء الكبرى؛ حيث عرفت بعض التنظيمات فيها انقسامات داخلية على أساس الولاء كما حصل مع جماعة "المرابطون"، والقاعدة ببلاد المغرب الإسلامي في الجزائر، بينما أعلنت تنظيمات أخرى نفض اليد من بيعة تنظيم القاعدة، والولاء لـ"الدولة الإسلامية" كما حصل مع جماعة "أهل السُّنَّة للدعوة والجهاد" في نيجيريا (بوكو حرام)، ووصل الأمر حدَّ الاقتتال في ليبيا والتراشق الإعلامي في تونس، والقطيعة الحذرة في شمال مالي.
ويسعى هذا الكتاب، "التنافس بين القاعدة وتنظيم الدولة في الساحل والصحراء"، الصادر عن مركز الجزيرة للدراسات في يناير/كانون الأول 2017، للبحث أيضًا في صيرورة هذا التنافس بين التنظيمين ودينامياته ومآلاته، والأطراف الفاعلة فيه والأخرى الثانوية، معتمدًا في جزء كبير منه على معلومات جمعها المُؤَلِّف محمد محمود أبو المعالي خلال سبعة أعوام من البحث والدراسة، تخلَّلتها رحلة بحث وتحقيق قام بها إلى صحراء أَزَوَادْ في شمال مالي في النصف الثاني من شهر إبريل/نيسان والنصف الأول من شهر مايو/أيار عام 2012، تمكَّن خلالها من جمع كثير من المعلومات عبر مقابلات ولقاءات وجلسات مع قادة وعناصر الجماعات الجهادية وسكان المنطقة.
وقد اعتمد المُؤَلِّف في الكتاب على السرد المتدفِّق للمعلومات المتعلقة بتاريخ هذه الجماعات، مع مقاربة تسعى إلى فهم الإطار الزماني والمكاني للأحداث التي يتناولها الكتاب، وعلاقات الاتساق ومحطات التنافر بين الأطراف الفاعلة في صناعة الأحداث الـمُؤَصِّلَة للإشكاليات الكبرى التي يطرحها الكتاب، كما تنحو تلك المقاربة إلى محاولة فهم علاقة الجماعات الجهادية على اختلاف ولاءاتها بالمحيط الاجتماعي والجغرافي الذي يحتضنها، والعلاقات البينية لفرقائها وما تخلَّلها من مدٍّ وجَزْرٍ, وهو ما تطلَّب استدرار سنوات عديدة من البحث والتحري للتغلب على جملة صعاب واجهت المُؤَلِّف منذ البداية، أولها الغياب شبه التام للمصادر والمراجع، والاعتماد على السعي المستمر والمحاولات الحثيثة لاستنطاق الأحداث الميدانية والشهود والفاعلين الميدانيين، من قادة وعناصر تلك الجماعات وشركائهم في الأرض.
كما أن الكتاب في بابه الثاني يُشكِّل إعادة لصياغة كتاب "القاعدة وحلفاؤها في أزواد: النشأة وأسرار التوسع" الذي ألَّفه الباحث سابقًا وأصدره مركز الجزيرة للدراسات عام 2014، لكنَّ أحداثًا متلاحقة عرفتها المنطقة دفعت به إلى محاولة إعادة صياغته وتنقيحه، وإضافة مستجدات له، بينها فصل كامل يتعلق بجماعة بوكو حرام، فضلًا عن بعض الأحداث والتطورات التي مسَّت مختلف مستويات الكتاب وفصوله وعناوينه، مع إضافة معلومات تتعلق بتاريخ أحداث تضمنها الكتاب السابق، لكن مقتضيات البحث والتحري والتدقيق أجَّلت ظهورها في النسخة الأولى.
ويتألَّف الكتاب من بابين، الأول منهما يحمل عنوان "تنظيم الدولة الإسلامية وفتح إفريقيا"، ويَضُمُّ ثلاثة فصول، وقد خُصِّص للحديث عن تنظيم "الدولة الإسلامية"؛ حيث أَفْرَدَ الباحث الفصل الأول لمتابعة ميلاد تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" قبل أن ينشقَّ عن تنظيم القاعدة ويُعْلِن الخلافة الإسلامية، ويعالج هذا الفصل مراحلَ تَشَكُّلِ التنظيم، وأسباب خلافه مع قيادة تنظيم القاعدة في "بلاد خراسان"، ومواجهاته المسلحة مع "جبهة النصرة" قبل انفصالها تنظيميًّا عن القاعدة.
أما الفصل الثاني فيتناول ظروف وسياق "وصول تنظيم "الدولة الإسلامية" إلى منطقة المغرب العربي والصحراء الكبرى، ويرصد فروع التنظيم في ليبيا وتونس والجزائر وصحراء أزواد في شمال مالي".
بينما يركز الفصل الثالث على جماعة "أهل السُّنَّة للدعوة والجهاد" المعروفة إعلاميًّا باسم "بوكو حرام"، التي بايعت تنظيم "الدولة الإسلامية" سنة 2015، وتطرَّق الباحث في هذا الفصل لتاريخ الجماعة، والظروف التي اكتنفت ميلادها، والتطوُّرات التي مرَّت بها والانشقاقات التي عرفتها خلال مسيرتها، حتى مرحلة بيعتها لتنظيم "الدولة الإسلامية" وما تلا ذلك من خلافات داخلية بعد قرار قيادة تنظيم الدولة عَزْل أمير الجماعة "أبو بكر الشكوي"، كما تناول في هذا الفصل جماعة "أنصار المسلمين في بلاد السودان" المعروفة باسم "أنصار" المنشقة عن جماعة "بوكو حرام".
أما الباب الثاني فحمل عنوان "القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي: الجذور والحلفاء"، وقد خصَّصه المُؤَلِّف للحديث عن تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، والحركات المتحالفة معه في المنطقة. ويَضُمُّ ثلاثة فصول، يتناول أولها ظروف نشأة التنظيم في الجزائر، والتقلُّبات التي عاشها، وأسباب تَوَسُّعه، وانتشاره في شمال مالي، والمراحل التي مرَّ بها، والصراعات التي نشبت بين أمرائه وقادته في المنطقة، واستراتيجيته التوسُّعية في المنطقة، فضلًا عن علاقته مع تنظيم"القاعدة في بلاد خراسان"، وتاريخ تلك العلاقة والمراحل التي مرَّت بها منذ اندلاع العمل المسلح في الجزائر سنة 1992 حتى مبايعة الجماعة السلفية للدعوة والقتال لتنظيم القاعدة سنة 2007.
بينما يرصد الفصل الثاني البنية الهيكلية لإمارة الصحراء (فرع قاعدة المغرب الإسلامي في الساحل والصحراء) وتَوَزُّعَها إلى كتائب وسرايا، تنتشر في المنطقة، ودور كل فصيل منها في الحرب التي أفضت إلى سيطرة الحركات المسلحة على إقليم أزواد سنة 2012، وعلاقة تلك الكتائب والسرايا ببعض الأحداث في دول المنطقة، فضلًا عن دورها الحالي في مواجهة القوات الفرنسية والدولية في شمال مالي.
أما الفصل الثالث فيتناول "الحركات الجهادية المتحالفة مع تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي في أزواد"، وتحدث الباحث بالتفصيل عن أربع حركات، هي: جماعة أنصار الدين، وجماعة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا، وجماعة أنصار الشريعة، وحركة أبناء الصحراء للعدالة الإسلامية، باعتبارها حركات جهادية متحالفة مع تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي؛ حيث تطرق لنشأة كل حركة على حدة، وأسباب تأسيسها، وعلاقتها بباقي الحركات الأخرى، وأبرز قادتها.
ويسعى كتاب "التنافس بين القاعدة وتنظيم الدولة في الساحل والصحراء" لسرد أهمِّ الأحداث التي كانت تلك الجماعات وراءها أو طرفًا فيها، وتقديم قراءة في الأبعاد الاستراتيجية للتنافس بين التنظيمين في المنطقة، وذلك عبر محاولة رصد جانب من أنشطتهما التنافسية، وطرق تفكيرهما وتخطيطهما، وتشابك علاقات مختلف التنظيمات الجهادية، فضلًا عن حضور أبعاد أخرى قَبَلية وعِرقية وإقليمية في تكوين بعضها.