"نظرية الأمننة" في العلاقات الدولية - Securitization Theory |
تعتبر الأمننة Securitization من المفاهيم الأساسية المتداولة بكثرة في الدراسات الأمنية والعلاقات الدولية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، وهو ماجعل بعض المختصين يعتبرها نظرية مهيمنة - Mainstream في الدراسات الأمنية، ويرجع الفضل بشكل عام في بناء مفهوم ونظرية الأمننة إلى مدرسة كوبنهاغن - Copenhagen للدراسات الأمنية وبشكل خاص إلى الأستاذين أولي ويفر - Ole Wæver وباري بوزان - Barry Buzan، فقد كان لنهاية الحرب الباردة تأثيراً بالغاً على الدراسات الأمنية حيث أثبتت فشل أو محدودية التصورات التقليدية المتمثلة أساساً في التصور الواقعي المرتكز على أمن الدولة والذي يتحقق بالقوة العسكرية، ولكن مع بروز تهديدات جديدة صادرة في أغلب الأحيان من داخل الدولة لم تعد القوة العسكرية وحدها تكفي.
إذا ماهي هذه النظرية؟ وما أسسها؟ ولمن موجهة؟
جذور النظرية:
تعود أصول نظرية الأمننة إلى العمل الذي قدمه أولي وييفر Ole Wæver في نهاية ثمانينات القرن المنصرم حول الأبعاد الخطابية للأمن، والذي قام بتطويره لاحقا بالإشتراك مع الأستاذ باري بوزان - Barry Buzan وباقي فريق معهد كوبنهاغن للدراسات الأمنية، وتظهر النظرية على أنها توليف بين النظرية البنائية وبين الواقعية الكلاسيكية وقد تم تداول هذا المصطلح من خلال الدراسات البنائية في العلاقات الدولية.
تعريف الأمننة - Securitization:
الأمننة كمصطلح متداول في العلاقات الدولية، يعني قيام الفاعلين في الدولة بعملية تحويل المواضيع إلى مسائل أمنية بمعنى آخر هي نسخة معقدة من التسييس Politicisation تسمح بإستخدام معاني إستثنائية بإسم الأمن.
والقضايا التي تؤمنن لا تمثل بالضرورة قضايا أساسية لبقاء الدولة، بل ربما تمثل قضايا متعلقة بمشكلة وجودية تمس الأفراد.
والأمننة هي عملية موجهة لمفهوم الأمن، التي تقف على النقيض من المقاربات المادية للدراسات الأمنية.
وقد إرتكزت المقتربات الكلاسيكية للأمن على المعطيات المادية للتهديد وبما فيها توزيع القوة، القدرة العسكرية والقطبية.
بينما تدرس الأمننة كيفية تحول بعض القضايا من فاعل إلى مشكلة أمنية ثم إتخاذ هذا كذريعة لإستخدام التدابير الإستثنائية لحلها.
ولكي يكون فعل الأمننة أكثر نجاحاً، يجب أن يكون أكثر قبولا بين الجماهير، بغض النظر إذا كان موضوع المشكلة تهديداً حقيقياً أم لا.
وكما يقول تيري براسبينين بالزاك - Thierry Braspening-Balzac: ”الأمننة هي ممارسة تحكمها القواعد نجاحها لا يعني بالضرورة إعتمادها على وجود تهديد حقيقي، بل بالقدرة الإستطرادية لمنح دفعة تقدم الجانب العام للقضية" ، حيث يقول بوزان " الأمننة ليست مجرد تحركات أمنية بل تصبح من خلالها القضايا مؤمننة عندما يتقبلها الجمهور.“
والجمهور قد يأخذ عدة أشكال منها: التقني، البيروقراطي، العام، وصناع السياسات والعديد من الجماهير المختلفة التي تؤدي وظائف مختلفة من خلال تقبلهم للأمننة.
ويرى وييفر الذي يعتبر من رواد مدرسة كوبنهاغن أن هذا المفهوم أخذ من الأنظمة المصرفية وحول إلى العلاقات الدولية، ونقطة البداية في الأمننة هي نظرية "الفعل الخطابي" وتدرس الأمننة من خلال تحليل الخطاب لتقديم شيئ ما كتهديد وجودي، حيث يقول بوزان: ”الأمننة ليست مجرد تحركات أمنية بل تصبح من خلالها القضايا مؤمننة عندما يتقبلها الجمهور“.
وهناك أسئلة أساسية واجب طرحها بخصوص المسائل الأمنية من خلال هذه النظرية هي:
1- لصالح من تعد مسألة معينة أمنية وبالعلاقة مع من؟
2- من يستطيع أن يؤمنن وماذا يؤمنن؟ وتحت أي شروط؟
فالأمن بذلك مسألة حوارية، وعملية مابين تذاتانية - Inter subjective process تحتوي على ثلاثة مكونات أساسية:
- إدعاء تهديد البقاء وتطلب إجراءات إستثنائية.
- تبني الفعل المستحيل.
- التأثيرات على العلاقات بين الوحدات المتأثرة بإنتهاك القواعد.
ماهية نظرية الأمننة :
بذهابها إلى أنَّ الأمن هو فعل خطابي Act speech ، ترى مدرسة كوبنهاغن أنَّه لدراسة عملية الأمننة ينبغي أن ندرس الخطاب السياسي والنخب السياسية، غير أنَّ منظري مدرسة باريس، يرون أن الأمر لا يتعلق بالخطب السياسية، غير أنَّ منظري مدرسة باريس، يرون أنَّ الأمر لا يتعلق بالخطب السياسية الناجحة التي تحصد قول وموافقة الجمهور فقط، ولكنها تتعلق بشكل أكبر بالقرارات والبنى البيروقراطية التي تشكل نمط السياسة اليومية خاصة الأنماط الفيبرية - Weberian Routine المتعلقة بالترتيب وإدارة الموارد وبإستخدام التكنولوجيا خاصة تلك المتعلقة بالتواصل والرقابة عن بعد من خلال قواعد البيانات وسرعة تداول المعلومات.
كما تبين مدرسة كوبنهاغن إطاراً نظرياً عبر مجموعة محددة من النصوص التي أتبعها خلال تسعينيات القرن الماضي ومايدخل في تميز وتأسيس برنامج البحث لمدرسة كوبنهاغن هو المفهوم الفرعي للأمن بين القطاعات الخمسة للأمن (عسكري، سياسي، إقتصادي، مجتمعي، وبيئي).
عناصر عملية الأمننة:
لعملية الأمننة أريع عناصر تقوم عليها:
1- الفاعل/ العنصر المُؤَمنِنْ: هو ذلك الكيان الذي يصنع الفعل أو الحركة المؤَمنَنَ/ة .
2- التهديد الوجودي: هو الموضوع المعرف على أنَّه يمثل ضرراً محتملاً.
3- الموضوع المرجع: هو الموضوع أو الفكرة المعرض/ة للتهديد والذي يحتاج إلى حماية.
4- الجمهور: وهو هدف الخطاب/ الفعل المؤمْنَنْ والذي يجب إقناعه بخطورة قضية ما..وتقبلها على أنها تهديد أمني.
أمننة موضوع معين لا يعني بالضرورة أنَّه يهدد جوهر بقاء الدولة المعنية ولكن يعني أن شخصاً ما قد نجح في جعل موضوع ما مشكلة وجودية؛ مثال على عناصر عملية الأمننة: بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 علت أصوات منادية بدحض الإرهاب خاصة من داخل الولايات المتحدة، فكان الفاعل المؤمنن هم صانعي السياسة في الولايات المتحدة، التهديد الوجودي هو الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل (في العراق مثلا)، أما الموضوع المرجع فهو أمن أمريكا القومي، الجمهور: الشعب الأمريكي والمجتمع الدولي. وقد إتخذت أمريكا ذلك ذريعة لإجتياح العراق.
الأمننة في قطاعاتها الخمس:
في كتاب " الأمن: إطار جديد للتحليل" لباري بوزان وأولي ويفر وجاب دي وايلد حددوا خمس قطاعات للأمن وهي:
1- الأمن العسكري : يعني قدرة الدولة القومية على الدفاع عن نفسها و/ أو ردع أي عدوان عسكري كما يعبر الأمن العسكري عن قدرة الدولة القومية على تنفيذ خياراتها السياسية بإستخدام القوة العسكرية، ويعتبر مصطلح" الأمن العسكري" مرادفا لمصطلح " الأمن" في كثير من إستخداماته، إذ أن أحد تعريفات الأمن الواردة في قاموس العسكرية والمصطلحات المتعلقة بها تشير إلى أنَّه: " حالة تنتج عن وضع التدابير الوقائية التي تضمن حالة من الأمان ضد الأعماب أو التأثيرات العدائية والحفاظ عليها"
2- القطاع السياسي: هو الدفاع ضد أي شكل من أشكال القمع السياسي، تهتم بما إذا كان الناس يعيشون في مجتمع يكرم حقوقهم الإنسانية الأساسية
3- الأمن الإقتصادي: هو شرط الحصول على دخل ثابت أو مصادر أخرى لتأمين المستوى الأدنى من الحياة.
4- الأمن المجتمعي: هو مفمهوم طورته مد رسة كوبنهاغن للدراسات الأمنية التي تشير إلى قدرة المجتمع على الإستمرار في طبيعته الأساسية في ظل الظروف المتغيرة والتهديدات المحتملة والفعلية.
5- الأمن البيئي: يدرس الأمن البيئي التهديدات التي تشكلها الأحداث والإتجاهات البيئية للأفراد والمجتمعات أو الدول، وقد تركز على تأثير الصراع البشري والعلاقات الدولية على البيئة أو على كيفية تعامل المشاكل البيئية مع حدود الدولة.
نقد نظرية الأمننة:
تم إنتقاد الأمننة ”كمدرسة“ للعلاقات الدولية بسب إفتقارها إلى فائدة عملية، على عكس المدارس الأخرى للعلاقات الدولية مثل: الليبرالية أو الواقعية، والتي يمكن أن توفر إطاراً أو أساساً لفهم كيفية إجراء الدبلوماسية الدولية.
وقد أنتقدت الأمننة لكونها نظرية أقرب إلى أنَّها ملاحظة مثيرة للإهتمام من كونها نظرية يمكن إستخدامها بطرق عملية من قبل الفاعلين السياسيين.
نهاية يمكن القول أنَّ الأمننة هي أداة مهمة لطلاب العلاقات الدولية، إذ تنافس هذه النظرية النظريات التقليدية للأمن والتي تركز بشكل مفرط على أمن الدولة بدلا من مواضيع مرجعية أخرى. وتبني الأمننة إطارا للتحليل يتضمن تحدياً لهيمنة الأفكار التي إستحوذت على عالمية وموضوعية الأمن.
وتذكرنا نظرية الأمننة بأنَّ الأمننة ليست فعلاً محايداً ولكنها فعل سياسي من صنع السياسيين وصانعي القرارات والخطابات، من هنا يمكننا أن نبحث عميقاً ونحقق في مختلف القضايا التي تنعدم فيها الأمننة في العلاقات الدولية..