تعريف التهديدات الامنية و المصطلحات المشابهة لها |
نظرا لارتباط مفهوم التهديدات الأمنية بمصطلح الأمن – الذي يصعب وضع تعريف شامل وموحد له - فإنه من الصعب كذلك تحديد معنى واحد له، ويكمن الارتباط بين المفهومين في كون أن الشعور بالتهديد يؤدي لاتخاذ إجراءات تهدف لتحقيق الأمن، ونجد أن الدراسات الأمنية التقليدية قد ركزت على مفهوم التهديدات الأمنية في شقها العسكري واعتبرته وجه التهديد الأساسي إن لم نقل الوحيد لحالة الأمن، غير أنه وببروز الدراسات الأمنية الحديثة توسع مفهوم التهديدات الأمنية ليشمل مصادر أخرى غير التهديد العسكري وتوجهت لدراسة مصادر أخرى للتهديدات الأمنية ذات أبعاد اجتماعية، سياسية، بيئية واقتصادية.
تعريف التهديدات الأمنية لغة:
يعرف التهديد لغة على أنَّه: "من الفعل هدد، يهدد تهديدا وهو ناتج عن إلحاق الأذى والضرر" وحسب هذا التعريف يتعلق التهديد بكل ما من شأنه أن يعرقل عملية بناء الأمن أو يؤدي إلى إنقاص الشعور به.
في حين يشير المعني اللغوي للتهديد في اللغة الإنجليزية إلى "Threat "،أما في اللغة الفرنسية فهو يشير إلى معنى الخطر "Menace" ،وفي اللغة اللاتينية "Trudere" يرادف معنى الدفع، ووفقا لقاموس وبستر فالتهديد هو( تصريح أو تعبير عن نية لإيذاء، أو تدمير، أو معاقبة في الانتقام أو الترهيب )، وهو كذلك (دليل على الخطر وشيك أو الأذى أو الشر ،كالتهديد بالحرب)،في السياسة أو الدراسات الأمنية "التهديد" يستخدم كمصطلح سياسي، وبوصفه كمفهوم علمي ، لا يزال غير معروف في الكثير من قواميس العلوم الاجتماعية.
ويشير معنى مصطلح تهديد في اللغة الفرنسية حسب معجم Le Petit Robert إلى: " الطريقة التي يرسم بها الرعب على وجه شخص ما، مع وجود النية لجعله يخشى الأذية التي أراد إلحاقها به ".
تعريف التهديدات الأمنية اصطلاحاً:
لقد تعرض الكثير من الدارسين إلى تعريف التهديدات الأمنية وقد تعددت التعاريف وتنوعت نظرا لاختلاف الرؤى والمذاهب الفكرية التي ينتمي لها كل باحث بالإضافة إلى اختلاف الفترات الزمنية وكذا القضايا التي عولج من خلالها هذا المفهوم ، وفيما يلي عرض لبعض التعاريف التي تطرقت للمفهوم:
تعريف ريتشارد أولمن : " تهديد الأمن القومي هو عمل/ فعل أو سلسلة من الأحداث التي تؤدي بشكل كبير، وعلى فترة زمنية قصيرة نسبيا ، إلى التقليل من نوعية حياة مواطني الدولة أو تساهم بشكل كبير في تطبيق نطاق الخيارات السياسية المتاحة أمام حكومة دولة أو الهيئات الخاصة والمنظمات غير الحكومية ( الأشخاص ، المجموعات والشركات) داخل الدولة ".
المفاهيم المشابهة للتهديدات الأمنية:
إن العلاقة بين مفهومي الأمن و التهديد يشكل لنا مفهوم "التهديد الأمني"، فهناك علاقة تأثر متبادل بحيث عند تفسير مفهوم الأمن لابد من تحديد مصادر التهديد أثناء الشعور "بالخطر الأمني" وهذا ما يستدعي الحاجة إلى إجراءات تهدف إلى تحقيق الأمن وتكون متوافقة مع المخاطر الأمنية أو التهديدات الأمنية الفعلية أو المحتملة ()، وعليه هناك العديد من المفاهيم المشابهة للتهديدات الأمنية والمتمثل في:
أ- الخطر: يرى "ألريش بيك " في كتابه "مجتمع الأخطار" ،أن الخطر: عبارة عن ضرر يهدد أمن الأفراد والبيئة والجماعات البشرية ،لكنه يوشك أن يحدث أو حدث فعلا ويمكن احتواءه إن لم يتفاقم ،كما يعتبر ألريتش بيك أن الأخطار استفحلت وتنوعت مع التطور التكنولوجي و العلمي وتزايدت تأثيرات العولمة وأصبحت تتميز بسرعة الانتشار من منطقة إلى أخرى.
كما أنَّه هناك علاقة بين مفهوم التهديد ومفهوم الخطر، وتكمن أوجه التشابه بين المفهومين في اعتبار كل منهما يشكل انعدام الأمن بينهما فيكمن في اعتبار أم الخطر معلوم المصدر ويمكن التنبؤ بتوقيت وقوعه (وإن كان ذلك بدرجة نسبية )،بينما يكون التهديد مجهول المصدر وتوقيت الوقوع ، مما يعقد من إمكانية التصدي له .
ب- التحدي: اشتقت كلمة "تحدي" من الناحية اللغوي من اللفظ "التحدي" ،حيث يقال في اللغة العربي :"فلان تحدي فلان حول شيء معين أي طالب مباراته في هذا الشيء ، ويقابل لفظ التحدي في اللغة الإنجليزية كلمة "Challenge" ،وفي اللغة الألمانية "Herausforderderung" والفرنسية "Défi" ،وتشير القواميس الإنجليزية البريطانية إلى عدة معاني لتحدي، فهو يعبر على شيء صعب يجب اختياره ويحتاج إلى القوة والمهارة وهو أيضا دعوة للمنافسة والمواجهة كأن يقترح شخص مبارزة أخر وما إلى ذلك، ويعرف كذلك على أنه :"المشكلات أو الصعوبات التي تواجه الدولة وتحد أو تعوق من تقدمها، وتشكل حجرة عثرة أمام تحقيق أمنها و استقرارها ومصالحها الحيوية الذاتية والمشتركة ويصعب تجنبها أو تجاهلها، وقد تبدأ أو تنتهي بزوال أسباب بلوغ التحدي ، دون الوصول إلى مستوى التهديد "، كما يمكن التفرقة بين التحدي والتهديد من خلال نطاق كل منهما، فالصورة التي يتخذها التحدي تدخل ضمن نطاق الأمن الناعم، أما التهديد يدخل في نطاق الأمن الصلب، أي الفرق بين الاثنين يكمن في أن التهديد يكون مباشر باستخدام القوة العسكرية أو التهديد بها، ويكون تأثيره مباشرا في الأمن ، أما التحدي فإنه يؤدى على المدى المتوسط أو البعيد إلى أضرار مباشرة على الأمن القومي.
ومنه نستخلص أن هناك عوامل مؤثرة في تحديد التهديدات الأمنية التي تواجه الأمن:
١- طبيعة التهديد: ويقصد به نوعه أو أبعاده السياسية و الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية.
٢- مكان التهديد: اتجاهاته و مدى قرب آو بعده الجغرافي سواء مباشر أو غير مباشر، ومدى انتشاره وتأثيره على عدة دول أو دولة معينة.
٣- زمان التهديد: تأثيره الحالي أو المستقبلي و مدى استمرار يته وهل هو ثابت أو متغير.
٤- درجة التهديد: ونقصد بها قوته و خطورته.
٥- تعبئة الموارد: ترتبط بحجم وخطورة التهديد ومدى كثافته، لابد من تعبئة الموارد والجهود للحد من تأثيره كما حدد باري بوزان تحليلا قطاعيا للتهديدات الأمنية.
أنواع التهديدات الأمنية:
هناك العديد من التصنيفات التي تخص موضوع التهديدات الأمنية، فهناك من يصنفها حسب مصدر التهديد إلى تهديدات داخلية وأخرى خارجية ، وهناك من يصنفها حسب نوع التهديد إلى تقليدية وأخرى غير تقليدية وفيما يلي إبراز لأنواع التهديدات الأمنية:
١- التهديدات الفعلية: وتمثل التهديدات الفعلية التي تعترض فيها الدولة لخطر استخدام القوة العسكرية أو التهديد باستخدامها.
٢- التهديدات المحتملة: وتعني وجود أسباب فعلية يمكن أن تعرض سلامة الدولة للخطر إلا أنها لا تصل لمرحلة استخدام القوة العسكرية لحل النزاع.
٣- التهديدات الكامنة: وهي وجود أسباب فعلية للخلاف بين دولتين أو أكثر إلا أنها لا تكون ظاهرة.
٤- التهديدات المتصورة: وهي التي لا تكون ظاهرة.
ويعتبر هذا التصنيف من التصنيفات التقليدية أما التصنيفات الحديثة للتهديدات الأمنية فتتمثل في:
- التهديدات السياسية: ويشمل التهديد السياسي سلامة الدولة ، المجتمع وبنائه الإيديولوجي والمؤسساتي ، ويتضمن هذا النوع من التهديدات انتشار النزاعات المسلحة سواء بين الدول أو داخلها وكذا انتشار أسلحة الدمار الشامل ونمو العنف والإرهاب والجريمة المنظمة .
- التهديدات الاقتصادية والاجتماعية: يمثل الاقتصاد أحد أهم الأسس التي تساهم في بناء دول ومجتمعات قوية ومنه فالمساس به يؤدي إلى ضعف التنمية والنمو الاقتصادي ، انتشار الفقر والبطالة وانعدام أهم شروط الحياة الكريمة والمتمثلة في الرعاية الصحية وبالتالي إنتشار الأمراض والأوبئة ، أما من الناحية الاجتماعية فهناك الهجرة غير الشرعية ومشكلة اللاجئين والذي قد يمس الجانب الهوياتي وكذا العلاقات بين البلدين الموفدة والمسقبلة
- التهديدات البيئية: تمثل المشاكل البيئية أحد أهم التهديدات الحديثة وتختلف من دولة لأخرى وهذا راجع لطبيعة المناخ وتتمثل مختلف التهديدات البيئية في التصحر،الجفاف ، التلوث البيئي بأنواعه.
طبيعة التهديدات الأمنية:
- التهديدات الأمنية التماثلية: هو اسم يطلق على النمط التقليدي للتهديدات التي تتميز بالطابع البيني والعسكري وتتشابه في الفواعل من حيث الخصائص ،كالتهديد العسكري الذي يكون بين دولة "أ"و دولة "ب" ،مثل :التهديدات المتبادلة بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية باستخدام القوة بينهما،فالتهديد العسكري هو لجوء إحدى الدول إلى حشد جيوشها على حدود دولة أخرى وتحرك أسطولها وقيام طائراتها بعمليات استطلاع واستعمال جميع التظاهرات العسكرية التي من شأنها إيقاع الرعب لدى هذه الدولة ،وتهديدها بشن الحرب عليها بغية حملها على الرضوخ إلى مطالبها .
- التهديدات الأمنية اللاتماثلية .
إن توسيع مفهوم الأمن ما هو إلا نتيجة لظهور مخاطر وتهديدات جديدة على الساحة الدولية ،تجاوزت التهديدات العسكرية ،أي انتقال التهديد من تهديد تقليدي إلى تهديد غير تقليدي ،بعبارة أخرى تهديدات غير واضحة المعالم وهي لا تصدر من وحدات سياسية "الدول" بل هي تهديدات مجهولة المصدر ، تعرف هذه التهديدات بالتهديدات اللاتماثلية أو اللاتناظرية أو الغير متكافئة ،وتكون بين فاعلين غير متكافئين من حيث القوة وعادة ما يكون هذا النمط من التهديدات وسيلة للتعويض عن نقص في الموارد للطرف الضعيف الذي يستخدم التهديد من خلال الاعتماد على أساليب ووسائل متعددة يستهدف من خلالها المساس بنقاط الضعف للطرف الأقوى، وتميزت التهديدات اللاتماثلية بمجموعة من الخصائص هي:
١- أنها من طبيعة غير عسكرية وشهدت صعودا في فترة ما بعد الحرب الباردة ،وهددت بالأساس الدول الصناعية التي زال عنها تقريبا خطر الحرب التقليدية (بين الدول).
٢- أنها تصدر عن فواعل غير دولية (غير حكومية) مما يصعب تحديد مصدرها.
٣- أنها تؤثر على أمن جميع الفواعل والرجعيات (الأقاليم ، الدول، المجتمعات، الأفراد).
٤- أنها مرتبطة بالجنوب (أو آتية من الجنوب) بعد زوال الخطر القادم من الشرق،وهذا ما يقود إلى القول بأن الثنائية القطبية للتهديد استمرت بعد نهاية الحرب الباردة إنما اتجاهها هو الذي تغير، فإن كان في الحرب الباردة "شرق/غرب" فإنه من بعدها أصبح "شمال/جنوب.
٥- أنها تأخذ عادة شكل الخطر قبل أن تصبح تهديدا، فإن كان التهديد عادة معرفا ويلحق ضررا مباشرا، فإن الخطر على خلافه "ضبابي، ملتبس، غير قابل للقياس ومشكوك فيه".
يمكن القول أن التحولات التي مست موضوع الأمن قد أحدثت تغييرا على مستوى مفهوم التهديدات الأمنية حيث انتقلت التهديدات من تهديدات عسكرية صلبة تمس الدول كوحدات تحليل ، إلى تهديدات – لينة – تمس القطاع الاقتصادي ، البيئي ، المجتمعي والسياسي مما يستدعي كذلك إيجاد وسائل جديدة للتعامل معها وفهمها حيث أن التعامل مع التهديدات الأمنية لا يكون مجديا إلا إذا تم تحديد مصدر التهديد ،طبيعته ،بنيته وكذا درجته ، وتختلف طريقة التعامل مع التهديدات الأمنية حسب قدرات الدولة ومكانتها في النظام الدولي .