“الحرب الهجينة”.. الوجه “الثوري” للتدخل الأمريكي لتغيير النظم السياسية – بوليفيا أنموذجاً |
تامر نادي
شهدت العاصمة البوليفية “كاراكاس” – يوم الأحد الماضي – يوماً تاريخياً شاهدًا على تحكم الرأس مالية العالمية، متخفياً وراء شعارات زائفة في تغيير مصائر الشعوب واللعب باحتياجاتهم وتزييف الصورة والحقائق، لخدمة مصالح الدول الكبرى والشركات العالمية. حيث استقالت الحكومات البوليفية، بعد استقالة الرئيس البوليفي إيفو موراليس، بعد ضغوط من المعارضة، المدعومة بتأييد القوي العالمية الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والتحاد الأوروبي، وشركات البترول العالمية.
تنتهج بوليفيا سياسة اشتراكية للخروج من حالة الهيمنة الغربية عليها سياسيا واقتصادياً، حيث تسيطر الولايات المتحدة وحلفائها على أغلب مصادر الثروات والاقتصاد في البلاد. وخلال العقد الماضي، نجحت السياسات المحلية في الحد من الفقر وتحقيق معدلات من النمو الاقتصادي عن طريق الاستخدام الاجتماعي لمواردها. وخضع بوليفيا لحرب هجينة شجعت عليها الولايات المتحدة لتغيير النظام من حكومة اشتراكية إلى حكومة موالية للولايات المتحدة أكثر ليبرالية، أدت إلي استقالة موراليس الذي دام حكمه 14 عامًا، بعد الانتخابات التي أجريت في 20 أكتوبر، وفاز فيها.
ونتيجة للاحتجاجات التي أثارتها المعارضة، دعاه الجيش البوليفي للتنحي. فقبل موراليس دعوات إجراء انتخابات جديدة من قبل فريق منظمة الدول الأمريكية التي أبدت اعتراضها على انتخابات 20 أكتوبر الماضي، التي أظهرت النتيجة الرسمية له أنه حصل على ما يكفي من الأصوات لتجنب جولة الإعادة ضد المعارضة. وهو ما أدي لنشوب احتجاجات. ما دعي قائد الجيش البوليفي، الجنرال ويليامز كاليمان، إلى طلب الاستقالة منه للسماح باستعادة السلام.
وتشهد أمريكا اللاتينية عودة قوية للتيارات “الشعبوية” اليسارية، بعد فترة من فشل الأحزاب اليمينية الليبرالية، منذ التسعينات، المدعومة من قبل الولايات المتحدة وحلفاءها.
“الحرب الهجينة”
واستطاعت المعارضة الليبرالية، من خلال الدعم الغربي، بتوجيه اتهامات للحكومة ببعض الأفعال الخاطئة، و”تعبئة تظاهرات مدمرة”، وتشكيل “مجموعات موالية” تخترق كقوة هادمة لمؤسسات المجتمع القائمة من أجل خلق الانقسامات، وأخيراً تشجيع الجيش والضغط عليه من أجل القيام بالانقلاب.
كل هذه الوسائل تم الدفع بها في وقت واحد. ضمن الخطة الأمريكية لنجاح سيناريو الحرب الهجينة. تزامنا مع فرض العقوبات الاقتصادية والقيود على البلد ما يؤدى إلي زيادة الصعوبات بين السكان؛ وإنشاء كيانات موازية لتقويض الكيانات الشرعية.
في بوليفيا، تم إنجاز العناصر الأساسية للحرب الهجينة، خلال فترة قصيرة من الزمن بعد انتخاب إيفو موراليس لفترة رئاسته كرئيس للبلاد في 20 أكتوبر الماضي، ادعي مرشح المعارضة الخاسر، كارلوس ميسا، أن التزوير الانتخابي قد ارتكب، وأنه لن يعترف بنتائج الانتخابات.
ومدعوما بتقارير مضللة، قامت بها منظمة الدول الأمريكية التي نشرت “ملاحظات أولية” قبل إجراء فرز نهائي للاقتراع، واقترحت إجراء جولة ثانية من الانتخابات، كما تدخلت الحكومة الكندية، ووصفت رئاسة موراليس بأنها “غير شرعية”. مع الأخذ في الاعتبار الموقف الموالي للولايات المتحدة لكل من منظمة الدول الأمريكية وأوتاوا، أدت ذلك إلي نجاح خطة الحرب الهجينة، وكانت النتيجة النهائية نزع الشرعية عن حكومة موراليس.
اندلعت أعمال الشغب والعنف في الشوارع على الفور باحتجاجات على أن الحكومة لم تنتخب بالوسائل الشرعية، وبالتالي فقد تم الدعوة إلى انتخابات أخرى. قام موراليس بعدة محاولات لنزع فتيل الأزمة من خلال الدعوة إلى الحوار ودعوة منظمة الدول الأمريكية لمراجعة الأصوات. وهو ما قامت به المنظمة، التي أعلنت تقريراً جديداً أنه بعد مراجعة الأصوات، تقترح إجراء انتخابات جديدة. وهو التقرير الذي تشبثت به المعارضة واتخذته زريعة لطلب استقالة موراليس. وفي النهاية دعاه القائد العسكري في بوليفيا، الجنرال ويليامز كاليمان، إلى الاستقالة للسماح باستعادة السلام.
“انقسام بالشارع”
في بوليفيا، احتفلت حشود من خصوم موراليس المبتهجين في الشوارع يوم الاثنين. الذي استقال بعد أسابيع من الاحتجاجات الضخمة.
بينما أشعل أنصار الزعيم الاشتراكي الغاضبون النار في حواجز اقاموها لسد بعض الطرق المؤدية إلى المطار الرئيسي في البلاد.
عقب التنحي، في بوليفيا، شهدت شوارع العاصمة احتفل خصوم موراليس المبتهجين، رغم أن الاستقالة اتى جاءت على غير أساس دستوري، مما يجعل ألامر غير واضح في مسار حكم البلاد ومن الذي سيخلفه وعلى أي أساس سيتم تنظيم الانتخابات الجديدة.
فراغ دستوري
فيما انتقد موراليس معارضيه السياسيين، واصفا ما حدث بالعودة إلى الحقبة القاتمة للانقلابات التي قامت بها جيوش أمريكا اللاتينية، مدعومة من الغرب. وأكد موراليوس أن المعارضون قاموا “بالكذب ومحاولة إلقاء اللوم علينا على الفوضى والعنف التي أثاروها.”
وعقب استقالته، استقال نائب الرئيس، وكذلك رئيس مجلس الشيوخ. وهو الذي نص الدستور على أنه من سيخلف الرئيس. وأيضاً، سبق وقدم رئيس مجلس النواب في وقت سابق خلال التظاهرات.
قال زعيم المعارضة البوليفية كارلوس ميسا، المدعوم من الغرب، إن موراليس أسقطته انتفاضة شعبية وليس انقلابًا عسكريًا. مؤكداً أن الجيش اتخذ قرارًا بعدم الانتشار في الشوارع لأنهم “لا يريدون أن يقتلوا أرواح أحد”.
ترامب يعترف بالتدخل
ومن جانبه، قال الرئيس ترامب إن استقالة رئيس بوليفيا تبعث برسالة إلى “أنظمة غير شرعية” في فنزويلا ونيكاراغوا، مفادها أن نصف الكرة الغربي أقرب إلى أن يصبح “ديمقراطيًا تمامًا” على حد تعبيره. مضيفاً: “إن هذه الأحداث تبعث إشارة قوية إلى الأنظمة غير الشرعية بأن الديمقراطية سوف تسود دائمًا”.
وأضاف ترامب أن الولايات المتحدة “تشيد بالشعب البوليفي للمطالبة بالحرية والجيش البوليفي لالتزامه بحلفه، لحماية ليس فقط شخص واحد، ولكن دستور بوليفيا.”
وأكد ترامب “نحن الآن على بعد خطوة واحدة من نصف الكرة الغربي ديمقراطي ومزدهر وحر.”
وتضغط الولايات المتحدة علي زعيم فنزويلا نيكولا مادورو على التنحي، وسط أزمة اقتصادية حادة واتهامات بالفساد، وتدعم علينا المعارضة برئاسة رئيس البرلمان.
الإتحاد الأوروبي يغذي المعارضة
بينما ودعا الاتحاد الأوروبي إلى الهدوء، قائلاً إنه مستعد لإرسال مراقبي الانتخابات لمراقبة أي استطلاعات جديدة إذا تم تقديم طلب. وقالت فيديريكا موغريني مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي: “أنه يمكن إجراء انتخابات موثوقة قريبًا، والأهم من ذلك، تجنب أي شكل من أشكال العنف من أي جانب، وإظهار مستوى من البراعة السياسية المطلوبة في هذه اللحظة”.
أمريكا اللاتينية بين موال لأمريكا ومدافع ضد الهيمنة
دعت الحكومات ذات الميول اليمينية في أمريكا اللاتينية، ومن بينها كولومبيا وبيرو، الدولة البوليفية إلى ضمان أن تكون الانتخابات الجديدة قانونية. ورحبت البرازيل بسقوط موراليس.
أما الرئيس الفنزويلي نيكولا مادورو، الذي خلف هوجو شافيز، فقد دعا من سماهم بالحلفاء بالتعبئة لدعم موراليس، حيث يواجه هو الآخر حشد داخلي من المعارضة ودعم غربي كبير لها.
وقال مادورو في تسجيل بثه التلفزيون الحكومي الفنزويلي “يجب أن نعتني بأخينا إيفو موراليس.” و”يجب أن نعلن اليقظة تضامنا لحمايته.”
وأعلن الرئيس الكوبي ميغيل دياز كانيل، وهو حليف لموراليس، تأييده ودعمه وتضامنه معه، قائلاً: “يجب تعبئة العالم من أجل حياة إيفو وحريته”.
رفضت حكومة المكسيك ما أسمته عملية عسكرية جارية في بوليفيا، مضيفة أنه يجب ألا يكون هناك “انقلاب”. وقال وزير الخارجية مارسيلو إبرارد على موقع تويتر، إنه يمكن للمكسيك أن تقدم اللجوء إلى موراليس إذا طلب ذلك.
وقال الرئيس الأرجنتيني المنتخب ألبرتو فرنانديز، الذي فاز في الانتخابات التي أجريت الشهر الماضي، في ثالث أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية، “الانهيار المؤسسي في بوليفيا غير مقبول”.
وختاماً:
يبدو من الحالة البوليفية أن خطة “الحرب الهجينة” يتم تطبيقها كأسلوب للتدخل الدولي سواء من قبل الولايات المتحدة الأمريكية أو حلفائها كأسلوب للعلاقة بين الدول المتقدمة الغنية والهيمنة تجاه الدول النامية أو التي تحاول أن تسير خارج المسار الغربي والتوجيهات الرأسمالية.
تظهر تصريحات الرئيس ترامب أن ما حدث في بوليفيا لم يكن وليد الصدفة، أو عفويا، بل كان مقصودا، ويظهر استعداداً لتكراره في العديد من الدول وخاصة في أمريكا اللاتينية والتي تعد “الحظيرة الخلفية” لأمريكا كما أنه تعد النطاق المباشر للأمن القومي.
يظهر الانقسام في صف الدول اللاتينية مدى التأثير الأمريكي المباشر في القارة، فكما رأينا حكومة البرازيل تساند تغيير النظام وقفت المكسيك ضد التدخلات، وهكذا باقي دول أمريكا اللاتينية.
يظهر الانقسام الداخلي، أيا كانت نسب الفريقين، أنه لا مجال لصوت عاقل، فالحالة الاقصائية التي تظهر بين “اليمن واليسار” تؤكد وجود انقسام حاد، وعدم قدرة على التعايش أو انتاج ديمقراطية فعالة، فالمعادلة دائما صفرية، والسلطة لا تقبل التقاسم أو التبادل، وهناك دائما طرف يسعي للقضاء على الطرف الآخر، دون وضع سقف لقواعد اللعبة، وهو ما يسمح دائما للمخططات الغربية بالتدخل والتفاعل مع الأطراف، ورسم مسارات الأحداث وفق رغباتها ومصالحها الرأسمالية، وليس مصالح الشعوب المنهكة.
يظهر تكامل خطة “الحرب الهجينة” استخدام المعارضة كأداة للضغط داخلية، وتكون عادة مدعومة من الخارج، في حالة بوليفيا، وكما كان الحال في فنزويلا من قبل. وبالطبع تنتهز فرصة كالانتخابات للتشكيك في شرعية النظام، في حال فشل الدفع بمرشح “موال للغرب” لتولى الرئاسة.
ومن ثم يتم شيطنة النظام – لا ننكر وجود تقصير في تلك النظم وربما شبهات فساد أو سوء استخدام للسلطة – باعتباره الناهب الأول لثروات البلاد وأن الرخاء سيعم فور الإطاحة به، وهو ما لم يحدث في أي من مراحل التحول الديمقراطي التي شهدها العالم في مراحل السابقة منذ التسعينات من القرن الماضي على الأقل.
يمكن أن نلمس تقاسم الأدوار – بالطبع دون تنسيق مسبق – بين الدول الغربية والحكومات الموالية لها، فقد لا يكون مقبولا صدور تقرير من الولايات المتحدة يدين “شبهات التزوير” في الانتخابات ويوصي بإعادتها، لكن سيكون أكثر قبولا أن صدر عن منظمة “إقليمية” تشرف عليها أمريكا وتتولاها البرازيل وعدد من دول الجوار البوليفي. كما يكون من الضروري أن تصدر التنديد والنصائح التي تقدمها دول ككندا، أو بعض دول الاتحاد الأوروبي، مع نصائح بتخلي النظام سلطاته والسماح للمعارضة بتولي الأمر. ولا يخلوا الأمر باستخدام التهديدات الاقتصادية والعقوبات الدولية كمزيد من الضغوط لزيادة الشحن الشعبي الساخط على الأوضاع الداخلية.
لكن يظل السؤال، هل في حالة تغيير النظام وجلوس المعارضة على رأس النظام الجديد المدعوم من الغرب، ورفع العقوبات، مع حزمة من المنح والقروض الولية لتحسين أو “تسكين” الوضع الاقتصادي، سيكون قد تم التحول الديمقراطي، تم وضع البلاد على الطريق الصحيح؟ ربما هذا الأمر يثير الكثير من التشكيك في واقعيته ليس في حالة دول الكاريبي فقط، ولكن حتى في دول أخي حول العالم كأوروبا الغربية مثلاً.