بداية النهاية :أسس ومنطلقات السياسة في الجزائر بين عقل المثقف وغطرسة المناضل |
-إن أبجديات السياسة العالمية تخضع إلى أخلاقيات، وايديولوجيات رميكانيزمات،وآليات تتمحور حول مبدأ العقلانية والموضوعية، فالاختلافات الطفيفة والدنيا في السياسة لا تعني بالضرورة تنافض بقدر ما تعني تعدد الرؤى وزوايا التفسير والتحليل كما يراها براون ، إن التحليل الذي يكون من مبادئ عقلانية وزوايا مختلفة ومتعددة هو بالضرورة التحليل المنطقي والقريب للحقيقة، أن تباعد وجهات النظر وتوحيد الأهداف هو النسق الصحيح لتفسير الظواهر السياسية،فمحتوي الاختلاف هو بين دكاترة الغزل ومقاتلي المعرفة، فدكاترة الغزل هم من يتبجحون بالوطنية والقومية، ويحتكمون الي العواطف و النرجسيات، ويهربون من العقل والحيادية، وهم بالضرورة مطالبون بها،او كمن يقولون بأفواههم ماليس في قلوبهم،ويخفون في صدورهم مالا يبدون لك، انهم ينظرون للشعبوية والشهرة بقدر ما ما يحتكمون للعقل والمنطق، انهم يؤرخون لمنطلقات شعبوية أكثر منها عقلانية، انهم يريدون التملص والتخلص من العقل، فالدولة التابعة لمقومات الاعلام او ما يعرف "بحكومة الإعلام" هي بالضرورة تقوم على توجيه الرأي العام حسب أهدافها فالاعلام من بين أهم أساليب الدعاية وقلب الموازين، فالديمقراطية التي تعتمد على اعلام مزيف، لن تكون نزيهة بقدر ما تكون موجهة للصالح الخاص، فالملاحظ للتاريخ السياسي للديمقراطية ومقولة الديمقراطيات لا تحارب نفسها، هي قول فيه هدم واعادة البناء، فدمقرطة دول كانت تعتمد علي الحرب بقدر ما تعتمد علي الديبلوماسية، هي ديمقراطية مفروضة بقدر ماهي ديمقراطية نزيهة فالديمقراطية عانت ويلات بدايتها ومازالت تعاني، فلقد وصل ادولف هتلر الى السلطة بطريقة ديمقراطية عبر انتخابات شعبية يشهد الجميع على نزاهتها , حتى بلغ نسبة الألمان المؤيدين له 98% في عام 1942 وهي نسبة لم يحصل عليها أي رئيس في انتخابات نزيهة ،حتى قال ستالين زعيم الاتحاد السوفياتي مقولته الشهيرة :
( قد تجد ألمانياً غير عنصري .. لكنك لن تجد ألمانياً غير مؤيد لهتلر )،مع ذلك الاعلام صور هتلر كــ حاكم ديكتاتوري و عنصري و سفاح , رغم أنه لم يستعمر أي بلد من دول العالم الثالث و عدد ضحاياه أقل بكثير من ضحايا اعدائه، وأما ونستون تشرشل وصل الى السلطة عبر انقلاب أبيض على رئيس الحكومة البريطانية المنتخب من الشعب تشامبرلين حيث أجبر المجلس العسكري البريطاني لقيادة الحرب تشامبرلين على الاستقالة و عين أحد اعضائه هو تشرشل كرئيس للحكومة بلا اي انتخابات.فتشرشل الذي صوره الإعلام على أنه رجل نزيه و حاكم عادل ورجل هزم النازية، له تاريخ حافل بجرائم الابادة في الهند و افريقيا عندما كان قائدا عسكريا و استعباد شعوب القارتين و نهب خيراتها،
وكان أشد عنصرية من هتلر و يحتقر الهنود و العرب و الافارقة ولا يعتبرهم بشرا،كما أنه كان قائداً عسكرياً فاشلاً هزمته القوات العثمانية في مضيق الدردنيل عام 1915 في الحرب العالمية الأولى رغم أنها كانت أقل عدداً و عدة من جيشه، و التي سميت بكارثة موقعة غاليبولي و أودت بحياة 10,000 جندي بريطاني تحت إمرته.،بينما تحمل الاتحاد السوفياتي كل تكلفة الحرب العالمية الثانية و جيشها هو من دخل برلين و أسقط هتلر،يعني باختصار شديد .. التاريخ يكتبه المنتصرون ..ولأن هتلر مهزوم فسوف تسمع عن جرائمه و سيئاته كثيراً في الإعلام , بينما سوف تسمع من نفس هذا الإعلام عبارات المدح و الثناء على ترومان الأمريكي الذي قصف اليابان بالقنبلة النووية و تشرشل الذي أباد الملايين في الهند. وستالين ، فالاعلام هو من يدعم المنتصر، ولا يراعي مصلحة الدولة، لانه اعلام موجه، فاين الخطأ إذن؟ هل هو في الديمقراطية؟ وفي آلياتها؟ أو في البيئة الغير قابلة للديمقراطية؟.
ان الاجابة علي هذه التساؤلات توجب علينا التمعن في العقل الإدراكي، الذي لم يفهم بعد الديمقراطية كمفهوم، ويفهم الديمقراطية كآلية وكيفية للحكم المطلق.
1 سيكولوجية الدولة الشمولية :
تعتبر الدولة في أبجديات السياسة على أنها تجمع من البشر يعيشون في مجال جغرافي محدود، تسيره نخب سياسية وتربطه علاقات اجتماعية وسياسية واقتصادية، كما تعتبر الدولة وتعرف علي أنها تجمع من الناس تعيش في رقعة من الأرض لها حدود، في ظل نظام سياسي وسيادة، فوجود الدولة ضرورة اجتماعية وسياسية يحكمها السلام الاجتماعي للفرد والمجتمع، وهذا يعني ان للدولة أهداف وواجبات ينبغي انجازها، الا ان هذه الاهداف والواجبات لا يمكن أن تكون ساكنة لابد لها من مواكبة حركة المجتمع وتطوره وهو ما يعرف بالتكيف ،وهذا ما أدى بذهاب وتلاشي الدولة الحارسة والاقتراب من فكرة الدولة المتداخلة .
ان القول بتطور مفهوم الدولة يعني بالضرورة تطور مفهوم النظام السياسي فيها،لانه اي( النظام السياسي) ركن من اركان الدولة فلا يمكن تصور قيام الدولة دون وجوده، ولا يتوقع استمرارها عند انعدامه.
إن النظام السياسي هو واجهة الدولة في الداخل والخارج، وهو الالة التي تدير جهاز الدولة وتوجهه، بغية تحقيق الخطط والبرامج في مختلف مجالات الحياة خدمة للصالح العام ،فالدولة تقوم على إيديولوجيات منبثقة عن توجهات وأفكار صناع القرار فيها لذا فهي تقوم على مقومات مؤسساتها الثابتة، فالدول الشمولية هي دول تعتمد على فكرة الملكية المطلقة، أي السلطة التنفيذية هي سلطة استبدادية ذات قيم ارتجالية تقوم علي سلطة الرئيس أو الملك، مع أن الديمقراطية في دول العالم الثالث تخوض غمار نهايتها اي موت ولادتها، فالسيطرة المدنية ضعيفة أمام السيطرة العسكرية التي تقوم على نظام الغطرسة، والقوة بحكم المنفعة العامة يعني السلطة مقابل الأمن والإستقرار ، فالبيئة التي تفرضها الدولة الشمولية على المجتمع هي نفسها السيكولوجية التي تفرضها على أفرادها وهو حب التملك والتسلط، والانفراد بالحكم أو توريثه، وقتل الديمقراطية بمغزي الوطنية والقومية والحكم المطلق. إن المنهج المتبع في تسيير التسلط هو نفسه المنهج الذي يتبناه شتى شرائح المجتمع في الدول الشمولية، كما يقال إنما الناس علي دين ملوكهم، يعني على نفس منهجهم وسلوكياتهم وتوجهاتهم التي يناقضها عامة الناس ولكنهم يعتمدونها بطرق غير مباشرة، من خلال تبني منهج النضال الواقعي أو الافتراضي، ان ح الدولة الحديثة والتي تتبنى ركن التكيف (الإيجابي /السلبي) هي الدولة العصرية التي تعتمد على الفصل بين السلطات، وتقسيم السيادة، وتناسق مؤسساتها، انها الدولة بالمعنى العصري، أن مفهوم الدولة في المنظور الماركسي هو صراع طبقي وفي المنظور الواقعي هو صراع القوى (البحث واضهار،والحفاظ على القوة)وفي المنظور الليبرالي هو صراع مؤسسات ومنظمات، واما في المنظور البنائي هو صراع ثقافي هوياتي اجتماعي، أما في المنظور الحداثي وما بعد الحداثي فهو منظور ورؤية تعتمد علي الهدم واعادة البناء والتشكيل الاجتماعي، فالدول العالم الثالث يعتمدون علي العقد الاجتماعي (لوك)الذي يقول ان التنازل على جميع الحقوق من طرف المواطنين للملك مقابل الأمن والإستقرار ، هذه هي السيكولوجيا المعتمدة في دول العالم الثالث، وذلك من خلال الخطابات والمواقف الثابتة علي فحوى زرع أو زعزعة الأمن ، ام بعض دول العالم الثالث والتي عرفت موجة جديدة وبطيئة من التحول الديمقراطي فهي تعتمد على رؤية (روسو)،والتي تنطلق من قوله ان العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم هو تنازل المواطنين علي بعض حقوقهم مقابل الأمن والإستقرار.
2- عقل المثقف:
إن العقل المثقف والموضوعي يحاول جاهدا ان يكون محايدا في شتى التحليلات والبحوث العلمية وعلى جميع الاصعدة،كما أنه يسعى أن يكون تحليله مندمج ومفتوح على جميع زوايا التحليل وحيثيات الأزمة والصراع، ان التحليل الذي يقوم على رؤية واحدة أو زاوية منفردة فهو تحليل عقيم وغير موضوعي،ان اي تجزئة لموضوع بحث تستلزم الحيادية والموضوعية والعقلانية كما انها تعيرنا التمعن في جميع حيثيات الازمة او الموضوع او البحث المحل الدراسة، كما لا يخفي علينا ان الازمة التي تمر بها الجزائر الان قد اظهرة معادن الثقافة والمرونة والتحليل الصحيح بين العقل المثقف، وعقل العزل الذي اشرنا له في بداية النص، لانه عقلية العزل التي تدعي القومية المطلقة والعصبية الزائدة والعواطف الهائلة هي من تزيد في تأجيج الصراع وتضخيم الازمة داخل الجزائر، لان التحليل الذي يقوم علي مبدأ الشعبوية، ومنطلق الشارع، ومبدأ الإشاعات هي تحليلات مغرضة، واساسها الاملائات والمشروطية، كما ان اهدافها التعيين، ومستنقع التخوين، لقد ساد منطق العصبية حتي من ناحية التحليل، وذلك من خلال القرائات والقرارات الضيقة، فالمثقف الحقيقي هو من يكون له رؤية عن الماضي ورؤية عن الحاضر بعيدين عن النرجسيات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، فعامل التحليل هو بالضرورة يحتاج الي الادراك والعقلانية، والاحاطة بجميع الفواعل المؤثرة والتي تؤثر في مجريات الامور، والخاوية من جميع النواحي المرتبطة بذاتية الباحث او المحلل،فالغرض هو اظهار اوجه الشبه والاختلاف والوصول الي بؤرة التوتر ، والتخلي عن جميع القيود والدوافع الذاتية للمحلل واولها العواطف الزائفة والزائدة، ان عقلية المثقف ذات ابعاد انطولوجية، تبحث في عالم الوجود في الامور الموجودة والملموسة، بعيدة عن التكهنات الخاطئة، والمغرضة، كما انها بعيدة النظر والممارسة، وذات استشرافات علمية اكاديمية، وذلك من خلال الإحاطة بالمعلومات الصحيحة،فالازمة في الجزائر تحتاج الي العقل المثقف اكثر من العقل المناضل، لان تفاقمها يعني بالضرورة الغياب التام للتحليل الموضوعي والصحيح، وعدم ادراك حيثياتها اما بالتجاهل او التهميش اؤمن خلال تصفية الحسابات، فدور الاعلام اصبح منوطا بالقوي السياسية المهيمنة والفاعلة في الازمة من شخصيات قديمة وأحزاب وكوادر، قد ادخلت علي هذه الازمة ميكانيزمات وديناميكيات تخدمها هي ولا تخدم الجزائر والشعب، فالذي يقول انه يقبل الحوار ولا يريده مع مجموعة معينة فهذا بالكاد يكون اما متجاهلا او انه لا يريد الاولي وهي الحوار، ولكنه يلغيها بدافع الثانية وهي الحوار، ولكنه يلغيها بدافع الثانية وهي المجموعة، فالحوار هو طاولة النقاش، التفاوض، الدبلوماسية، الاخذ والرد، الفائز فيها من يكون له مبرراته الواقعية والشفافة والعقلانية والموضوعية، فاين الخلل اذن هل هو في الحوار؟ ام في من اقترحه؟او من يقبله ولكن بشروط مسبقة؟ فالهدف ولغاية واحدة وهو البحث في دفاتر الديمقراطية عن الحل الاسهل ولكن الوسيلة واو الطريقة مغيبة وهي موجودة مسبقا وهي الحوار.
3- غطرسة المناضل :
ان النضال السياسي ذو الأبعاد الاجتماعية والهادفة الي الرفاه والسلام الاجتماعي، هو صراع قديم في كينونة الدولة، وقد ظهر في عصر التنوير و تطور في في ايام العولمة حتي ظهر الشق المنافس له او مايعرف الآن بالنضال (الافتراضي)، انه الشق الجديد للنضال الواقعي، فالنضال الواقعي عادة يكون من جهة معارضة للوضع السياسي الراهن شرط ان تكون حائزة علي الحلول او البدائل(استراتيجية)، التي تأخذنا من الوضع الراهن الرديئ الي وضع احسن منه، وعادتا ما يكون المناضلين اما من احزاب سياسية، او شخصيات وطنية، اومن مجتمع مدني او من حقوقيين و ناشطين سياسيين،وتكون لهم توجهاتهم المغايرة للسياسة الدنيا او العليا للدولة، وتكون انتقاداتهم حول الوضع السياسي اما من الناحية الداخلية او الخارجية، ولا تخفي علينا انه لايوجد نظام سياسي في العالم، لايوجد معارضين له، واولهم الولايات المتحدة الامريكية، وهي الدولة المصدرة للديمقراطية، فالنضال السياسي في كل الدول المتقدمة والمتخلفة، ولكن يختلف النضال من دولة الي دولة حسب سيكولوجية هذه الدولة، ففي دول العالم الثالث عامة النضال يعتمد علي الغطرسة وهي مصطلح يشير الي القوة والخشونة وفرض الراي دون الرجوع الي الاخر ومراعاة الزوايا و الفواعل الاخري المؤثرة، اي الاعتماد علي الانتقاد دون اعطاء حلول وذلك من اجل الوصول الي السلطة، يعني تقزيم الطريق امام مسار الحزب السياسي او المناضل ، فالنضال السياسي الواقعي هو النضال الواضح الوجهة والمخرج والتوجه والفكرة، اما النضال السياسي الافتراضي فهو نضال يقوم اساسه اما علي اشخاص مزيفين او علي الاشاعة والاكاذيب او علي التزوير والتلفيق او اشخاص يريدون الفتنة ، فمواقع التواصل الاجتماعي هي من اهم المواقع التي تسرد هذا النوع من النضال، فهذا النضال يعتمد علي السرعة الهائلة في نشر المعلومات والافكار التي يريدها الشخص، بشكل لا يحوي اي دليل واقعي، ولا عقلاني، ويظهر هذا جليا في الازمة في الجزائر، حيث تحوي بعض المواقع اخبار كاذبة، لكنها تحوز علي نسبة مشاركة عالية جدا. وكذلك يشيع هذا النضال في الدول الشمولية، التي لا تحوي علي الشفافية وحرية التعبير،ان الملاحظ لمراحل الازمة في الجزائر انها خضعت الي توجهات المناضل،اكثر من توجهات المثقفين والمحليين، فالجزائر الان تحتاج الي الطبقة المثقفة اكثر من الطبقة المناضلة، فالنضال همه هو فرض رأيه وتوجهه، والوصول به الي ذروة الشعبوية، اما المثقف فهو عكس ذلك فهو يحلل. الوضع علي اكثر من جهة واكثر من زاوية فهو بالتالي يراعي مصلحة العامة اي الصالح العام علي المصلحة الخاصة والتي يبحث عنها المناضل، فالمثقف يمهد الطريق اما م المناضل من خلال دراسته المحورية والمحيطة علي الاقل بمجمل الحيثيات والتوترات، ان سيكولوجية المناضل تعتمد علي ابجديات القوة، والتمرد علي محاور السياسة والقانون. انه يريد بذلك اضعاف الرائ الاخر اما غطرسته، علي عكس المثقف الذي يسعي الي تقريب وجهات النظر بين جميع محطات الأزمة او المشكلة فالازمة في الجزائر تحتاج الي العقل المثقف اكثر من عقل المناضل، فالمناضل لايصل الي هدفه، فهو ضمن معادلة صفرية، لان الهدف عنده غير واضح المعالم ، انه يعتمد علي سياسة الركوب المجاني.
-ان الأزمة وحالة الانسداد التي تمر بها الجزائر الان هي نقص في منتوج العقل المثقف، وكثرة المناضلين، فالجزائر تحتاج الي العقلية الواعية ذات التوجهات البعيدة والعقلانية بعيدة عن الهراركية الغائية وقريبة من التراتبية الهرمية.