أميرة أحمد حرزلي
منذ انسحاب الولايات المتحدة الامريكية من الاتفاق النووي في الثامن ماي 2018 وعودة العقوبات الاقتصادية على إيران وإعلان السعودية والامارات تعويض حصة النفط الإيرانية في سوق النفط العالمية تصاعد بشكل ملحوظ التوتر الإيراني الأمريكي، وأصبحت الخطاب السياسي والسلوك العسكري للطرفين ينذر بحرب وشيكة في المنطقة.
تنتقل المواجهة مع إيران والولايات المتحدة الامريكية الى حلفاء الولايات المتحدة السعودية والامارات في الخليج بعد استهداف ناقلات نفط في ميناء الفجيرة واستهداف اخر في خليج عمان بعد قرابة الشهر من الاستهداف الأول و المتهمة الأولى صانعة السجاد الفارسي ، وهذه ليست صدفة بالنظر الى حجم العداء كبير التاريخي بين السعودية والامارات من جهة وايران من جهة واعلان السعودية و الامارات خاصة اعلان الدولتان الخليجيتان تعويض حصة النفط الإيراني في السوق الطاقوية.
تتوسع المواجهة مع إيران أكثر في الخليج وتحديدا في مضيق هرمز، في ظل كل هذا التصعيد أرسلت الولايات المتحدة الامريكية وعدد من حلفائها قوات مسلحة الى الخليج لضمان أمن الملاحة الدولية هناك حسبها، والهدف الأول محاصرة ايران ونتج عن ذلك اسقاط ايران لطائرة امريكية مسيرة خرقت مجالها الجوي ، في ذات السياق صرح بعد أيام من ذلك الرئيس الأمريكي بإسقاط إيرانية اقتربت من مدمرة أمريكية ترسو في مياه الخليج، وبثت ايران من جهتها صورا للطائرة المذكورة قبل و بعد تصريح ترامب تكذب الخبر .
لم تهدا الأمور لحظة حتى فاجأت بريطانيا إيران باحتجاز ناقلة نفطها غريس 1 في مضيق جبل طارق في منطقة متنازع عليها بين بريطانيا و اسبانيا، حسب السلطات البريطانية الناقلة المحتجزة كانت تنقل النفط لسوريا الخاضعة لعقوبات غربية، يأتي الرد الإيراني سريعا باحتجاز ناقلة نفط بريطانية اثناء عبورها مضيق هرمز لخرقها قوانين الملاحة الدولية بحسب ما أفادت به السلطات الإيرانية .
هذا الشد والجذب والتحذيرات البريطانية والإيرانية المتبادلة لبعضهما من عواقب سلوكهما تجاه بعضهما فيما بات يعرف بحرب ناقلات النفط ( حرب دارت رحاها في الفترة 1980 ــ 1988 خلال الحرب الخليج الأولى العراقية ــ الإيرانية ، وفيها اُستهدفت ناقلات النفط في الخليج العربي ، فالعراق أنداك بحسب مصادر تاريخية استهدف ناقلات نفط إيرانية في موانئ ايران بعدما خسر ميناء الفاو الاستراتيجي المنفذ البحر الوحيد للعراق على الخليج، في المقابل استهدفت ايران ناقلات نفط خليجية معظمها كويتية لدعمها العراق).
حرب الناقلات الراهنة في الخليج حسب متابعين كانت نتيجة لعدة عوامل متفاعلة أولها إلغاء الولايات المتحدة الاتفاق النووي مع إيران بشكل احادي وإعادة تسليط العقوبات الامريكية الشديدة عليها كذلك عدم جدوى المحاولات الأوروبية لإيجاد بديل مناسب للاحتفاظ بالاتفاق النووي، ضف الى ذلك تهديدات ايران المتكررة بعدم الالتزام به منفردة وبالتالي عودة نشاطها النووي الذي كان قبل الاتفاق …كل ذلك تسبب بشكل متسارع في تصعيد الأمور واخذها لمنعرجات خطيرة وهو تهديد الملاحة البحرية في المضائق الاستراتيجية كمضيق هرمز وجعل الملاحة عبره غير امنة بتاتا.
في ضوء كل هذا التوتر والتصعيد غير المسبوق في مياه الخليج تُثار عدة تساؤلات:
- هل تورطت بريطانيا باتباع السلوك العدواني الأمريكي تجاه ايران؟
- لماذا لاذت المملكة العربية السعودية و الامارات بالصمت في حرب الناقلات هذه ؟
- ما مصير محاولات الاتحاد الأوروبي وايران الاحتفاظ بالاتفاق النووي بعد حرب الناقلات؟.
- لماذا توسعت مواجهة إيران مع الغرب؟ وهل ستصمد في مواجهتها له ؟.
- ماهي خيارات ايران و بريطانيا تجاه بعضهما إزاء احتجاز ناقلتي بعضها ؟
- كيف سينعكس التصعيد الحاد في مياه الخليج على الملاحة الدولية؟.
- ماهي المخارج البديلة و الممكنة لتخفيف التصعيد الراهن في مياه الخليج؟ .
1 . استهدافي ميناء الفجيرة وخليج عمان:
كان استهداف سبع ناقلات نفط متعددة الجنسيات كانت ترسو في ميناء الفجيرة الاماراتي في الثاني عشر ماي الماضي بداية الشرارة لاندلاع حرب ناقلات النفط ، فالحادثة خطيرة خطورة انتهاك مياه إقليمية لدولة ذات سيادة، سارعت الدول الخليجية لاتهام ايران و الأخيرة تنفي ، فيما لم تسفر التحقيقات الى حد اليوم عن الفاعل الحقيقي، في حادث مشابه شهد أيضا خليج عمان في13 جوان الماضي استهداف مماثل لناقلتي نفط الأولى ترفع علم جزر المارشال و الثانية ترفع علم بنما دون خسائر بشرية ، مع إصرار خليجي امريكي بان ايران هي العقل المدبر لهذه الاستهدافات، وقد تأثرت السوق النفطية الخليجية سلبا وقد شهدت البورصات الخليج نزول حاد في اسهم شركاتها الطاقوية، من جهتها ايران تنفي تلك اتهامات وتقول ان امن الخليج أمنها أيضا واي تهديد يطاله سيهددها حتما وستعمل على حلفائها لإعادة ضبط الامن فيه .
- حرب ناقلات النفط في الخليج العربي بين التاج البريطاني وبلاد فارس
أعلنت البحرية الملكية البريطانية في الخامس جولية الجاري احتجاز ناقلة نفط إيرانية غريس 1 قبالة سواحل مضيق جبل طارق كانت تحمل مليون برميل من النفط متجهة الى سواحل سوريا، تبرر الجهات البريطانية ذلك بان حمولة النفط متجهة الى جهة أي سوريا التي تخضع لعقوبات أوروبية وأمريكية منذ 2011 وهذا انتهاك للعقوبات الغربية، وتؤكد ان امر الاحتجاز جاء وفق القوانين الدولية.
في المقابل تصف ايران الخطوة البريطانية بالقرصنة البحرية و تطالب السلطات البريطانية بالإفراج عنها ، في هذا الصدد دعا امين مجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني محسن رضائي ان بلاده سترد بالمثل في حال رفضت بريطانيا الامتثال لطلب ايران بالإفراج عن ناقلتها المحتجزة، وغرد على تويتر قائلا “خلال 40 عاما من تاريخها ، لم تكن الثورة الإسلامية البادئة في أي توتر ، ولكنها لن تتقاعس ولن تتردد في الرد على المتغطرسين و البلطجية ،اذا لم تفرج بريطانيا عن ناقلة النفط الإيرانية ، فمن واجب الأجهزة المسؤولة الرد بالمثل وتوقيف ناقلة نفط بريطانية”.
لم يتأخر الرد الإيراني كثيرا ففي التاسع عشر من جولية نفسه احتجز الحرس الثوري الايراني ناقلة نفط تحمل العلم البريطاني سيتيا ايمبيروا اثناء عبورها مضيق هرمز بطاقمها المكون من 23 فردا، وقد اقتادتها الى ميناء بندر عباس في انتظار المحكمة الإيرانية النظر في امرها، في هذ السياق غرد محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني قائلا “على العكس من القرصنة في مضيق جبل طارق ما قمنا به في الخليج الفارسي هو فرض احترام القانون الدولي”، جاء احتجاز الناقلة البريطانية بحسب وسائل اعلام دولية بانها اصطدمت بقارب صيد إيراني ثم أغلقت جهاز تحديد المواقع وسارت في الاتجاه المعاكس من مضيق هرمز غير آبهة بالتحذيرات الإيرانية، ورغم ما تطرحه ايران من تبريرات الا عملية احتجاز الناقلة البريطانية تعد رد صريحا على احتجاز بريطانيا ناقلتها في مضيق جبل طارق انطلاقا من مقولة العين بالعين و البادئ أظلم .
- المــخـــاطـــر والخيارات:
رغم تصريحات وزيري خارجية ايران و بريطانيا جواد ظريف و جيرمي هانت بعدم نية بلديهما للتصعيد والدخول في مواجهة عسكرية ، الا ان الواقع شيء اخر فتصريح ظريف بان بريطانيا تتبع السلوك العدواني الأمريكي تجاهها امر بدا واضحا من خلال التغير السريع الذي طرأ على السياسة البريطانية إزاء ايران ،فهي كانت من الموقعين على الاتفاق النووي الإيراني داعمة له وكانت تعمل على إيجاد سبل تحول دون انهياره بعد انسحاب الولايات المتحدة الامريكية فجأة تحولت سريعا الى حجز الناقلة وفرض عقوبات على ايران على خلفية احتجاز ناقلتها، ومع انتخاب بوريس جونسون ذو التوجه الاطلسي رئيسا للحكومة و قائد حزب المحافظين البريطاني يتضح جليا مدى ارتباط السياسات البريطانية والامريكية منذ عقود الى اليوم.
المأزق البريطاني يتوسع، لم تنهي بريطانيا مشكلة البريكسيت مع الاتحاد الأوروبي حتى فاقمت على نفسها مشكلة أخرى مع الأوروبيين باحتجاز الناقلة الإيرانية في مضيق جبل طارق، فهناك انقسام أوروبي حول الحادثة تحديدا بين بريطانيا واسبانيا في منطقة الاحتجاز، فالأولى تؤكد انها منطقة تخضع للتاج البريطاني، و الثانية تصر على ان المنطقة تحت الحكم الاسباني، والأرجح بين هذا و ذاك هو ان المنطقة التي احتجزت فيها الناقلة الإيرانية منطقة متنازع عليها تاريخيا، وهذا من شأنه توتر داخل الاتحاد الأوروبي المتصدع.
ايران من استراتيجية الدفاع الى استراتيجية الهجوم ، فالقادة الإيرانيين يؤكدون ان صبر ايران على التوجهات السلبية الغربية تجاهها بدأ ينفذ ، وان استراتيجيتها ستتحول من الدفاع الى الهجوم لحماية مصالحها الإقليمية و الدولية، والتهديد الإيراني المتكرر بغلق مضيق هرمز سيؤثر سلبا ويهدد الملاحة البحرية في مياه الخليج عموما و يصعد من التوتر الحاصل هناك، فايران أعلنت انها مستعدة لجميع الخيارات افضلها التهدئة لان الحرب ستطال الجميع دون استثناء، في المقابل تتناقش لندن مع حلفائها الاطلسيين بضرورة انشاء قوة بحرية أوروبية لحماية الملاحة الدولية في الخليج العربي وانها ستعمل جاهدة لتهدئة الأوضاع و حماية مصالحها في المنطقة.
- ردود الأفــعــال الــدولـــية:
تفاعلت بشكل سريع رود الأفعال الدولية إزاء حرب الناقلات عبرت دول عديدة من الاتحاد الأوروبي عن استياءها لاحتجاز إيران ناقلة النفط البريطانية كفرنسا وألمانيا …اما روسيا والصين فيحملان السلوك الأمريكي والغربي عموما ما يحصل في الخليج العربي، رغم ان المنطقة تعنيهم أولى من غيرهم الا ان السعودية باقي دول الخليج يكتفى بالصمت رغم معرفتنا مسبقا موقفهم، فالجميع دعوا الى التهدئة وخفض التصعيد والابتعاد عن المواجهة.
الخاتمة:
تعود من جديد حرب الناقلات يختلف أحد أطرافها لكن الميدان واحد الخليج العربي الذي بات مهددا بمواجهة عسكرية اذا استمر استهداف الناقلات بالتخريب و الاختطاف، فالوقت الذي يفرض فيه الغرب عقوبات على تصدير ايران لنفطها، تتمسك ايران بفكرة اما ان يبيع الجميع نفطه او لا احد. والسلوك الأمريكي منذ البداية بالتضييق والعقوبات يدفع لمزيد من التصعيد ربما حسبه لضبط سلوك إيران ولكنها حتما اذا استمرت ستقود لحرب لا يحمد عقباها ولا احد سيخرج من منتصرا، هل سيكون لدعاة التهدئة و الحوار صوت يسمع في حرب الناقلات هذه لعل الأيام المقبلة كفيلة بالاجابة على سؤالنا.