مفهوم الأمن الإنساني في حقل نظريات العلاقات الدولية |
إنعام عبد الكريم أبو مور
من بين الإفرازات المفاهيمية للعولمة والتحولات في حقل العلاقات الدولية هو التوسع الإبيستيمولوجي (المعرفي), أو توسع البراديغمات paradigms والتوسع النقدي ليشمل الدراسات األمنية فينتقل إلي التركيز علي النقاط العامة في األمن لينتقل إلي جزئيات األمن سواء ثقافية, إقتصادية, إجتماعية... الخ, كل هذا مع تنامي الدور الجماعي العالمي والمنظمات غير الحكومية التي إنتقلت من المفاهيم الصلبة العسكرية, إلي توسيع المجال ليشمل اإلنسان أو النطاق الدولي ونطاق المجتمعات فأصبح الإنسان مركز اإلهتمام هنا, الذي أصبح وحدة أساسية في الدراسات الأمنية تحت مسمي الأمن .Human Securityالإنساني تتمثل خطورة مفهوم الأمن الإنساني كإحدي أهداف السياسة الخارجية لبعض الدول خاصة الدول الكبري في العلاقات الدولية, أن الخطر في هذا المفهوم ليس عملية عشوائية لكنها عملية تخضع لبعض الضوابط التي من أهمها أنه عادة ما تكون هناك قوى دولية تدفع بالمفهوم بما يحقق مصالحها الذاتية, بحيث أصبح لهذا المفهوم أبعاد معلنة وأخري غير معلنة, كما تترتب محورية هذا المفهوم الجديد المطروح وتأثيره في العالقات الدولية علي مدي محورية وأهمية القوي الدولية المدافعه عنه .)5 :9002 ,أمين) لقد بدأ الحديث عن مفهوم األمن اإلنساني كمدخل جديد في الدراسات األمنية, يسعي إلظهار الكيفية المثلي في الوصول إلي تحقيق فعلي وفعال ليس فقط ألمن الكائن اإلنساني بل وكذلك ألمن الدولة ولألمن والسلم العالمي. إن هذا المفهوم أحدث تحوال في مضامين العديد من المفاهيم كالقوة, والمصلحة , والسيادة, لقد كان له أهمية بارزه في حقل العالقات الدولية, حيث أدرج هذا المفهوم بكثرة في دائرة الحوارات وخاصة النظرية النقدية التي هي عبارة عن مواقف نقدية إلعادة صياغة الموضوع المرجعي للأمن, حيث أن النظرية النقدية نتجت عن أعمال مدرسة فرانكفور ت school Frankfurt إال أن إسهاماتها في مجال السياسة الدولية يعود إلي منتصف ثمانينيات القر ن العشرين, ويعتبر "روبرت كوكس" Cox Robert أكثر من إرتبط إسمه بهذه النظرية حيث أن هذه النظرية تسعي إلي بناء مفهوماتي- نظري متماسك يعتمد علي األسس اإلبيستيمولوجية والمنهجية المفهوماتية ألدبيات العالقات الدولية, منتقدة بذلك األنساق واألطر النظرية والجوانب اإلبستيمولو جية لإلتجاهات النظرية التقليدية )جندلي, 9004 :440 .)كما تناولته النظرية البنائية وفسرت هذا المفهوم, حيث أن مصطلح البنائية في العالقات الدولية ظهر ألول مرة في كتابات "نيوكوالس أونوف" Onuf Nickolas في كتابه "العالم من صنعنا" حيث أن هذه النظرية توظف مفهوم البنية للسلوكيات في العالقات الدولية وهي تولي أهمية لمسألة الهوية في تحديد الفعل السياسي, والعالقة الجدلية بين الفواعل والبنية اإلجتماعية)عبدالقادر, 9002 :92.) كل من الواقعيين التقليدين والواقعيين الجدد كان لهم نظرة مختلفة حول مفهوم األمن اإلنساني و لكن في سياق المعني حيث أن الواقعيين الجدد كانت نظرتهم أوسع وأشمل من التقليديين حول هذا المفهوم. أيضا تناولته المدرسة الليبرالية من منظور آخر حيث تعد مقاربة األمن االنساني إحدي المقاربات المعيارية النابعة من النظرية "الكوسموبوليتانية")الكونية, العالمية, الكوكبية( cosmopolitan ,التي تبحث عن توسيع مجال األخالق والعدالة خارج حدود الدول, لتقوم علي فكرة المجتمع الدولي المرتكز علي وجود جماعة عالمية ذات عالقات عبر القومية قائمة علي األفراد)حموم, 9004 :4.) إن مفهوم األمن اإلنساني كمفهوم جديد كان له مكانه في حقل العالقات الدولية حيث أن مدراس العالقات الدولية ألقت الضوء عليه منها المدرسة التقليدية الكالسيكية school classical والمدرسة التكوينيةschool structural , مما أدي إلي ظهور حوار للمنظورات ونقاش حول هذا المفهوم الجديد 4 الذي أصبح له أهمية بارزه في الوقت الحالي خصوصا ما نالحظه علي الساحة الدولية اآلن من حاالت فوضي ونزاعات تهدد أمن الفرد. تأتي هذه الدراسة لتتناول السياق التاريخي لمفهوم األمن اإلنساني وذلك من خالل تطور المفهوم في فتره مابعد الحرب الباردة, كما أنها توضح ماهية هذا المفهوم بشكل مفصل وتوضح مفهوم العولمة ن وا عكاسها علي مفهوم األمن اإلنساني, ثم تنتقل بجل إهتمامها حول مكانة هذا المفهوم وكيف تناوله حوار المنظورات في العالقات الدولية حول تفسير مفهوم األمن اإلنساني وذلك بشكل مفصل في الفصل الرابع من هذه الدراسة, وذلك بإلقائها الضوء علي كل من المنظور العقالني Rational Perspective الوضعية الوجودية Positivism ,وكيف تناول مفهوم األمن اإلنساني وذلك من خالل النظريات التي تندرج تحت إطار هذا المنظور, ومن ثم تنتقل إلي المنظور التأملي Reflective Perspective و النزعة مابعد الوضعيةpositivism- Post ,وتفسيره لهذا المفهوم وماهو النقاش الذي تم بين مختلف النظريات حول هذا المفهوم, سهاماتها وتصورها لهذا كما تتناول النظرية البنائية وا المفهوم الذي أصبح ذو أهمية كبيرة في حقل العالقات الدولية حيث أن الوضع الراهن اليوم يلقي جل اإلهتمام علي الحفاظ علي أمن اآلخر) األمن اإلنساني(. 5 1.2.مشكلة الدراسة يعتبر إتفاق وستفاليا )Westphalia of Peace )عام 8441م, أول إتفاق دبلوماسي أرسى نظاما دوليا مبنيا على سيادة الدول. غير أن التغيرات الدولية في العالم المعاصر جعلت األمن االنساني هو أحد محاور النظام الدولي الرئيسية وال سيما التدخالت في شؤون الدول تحت ذريعة األمن اإلنساني. وجاء التنظير لهذه التدخالت من خالل آراء المفكرين والمنظرين في نظرياتهم الجديدة للعالقات الدولية التي تختص باألمن اإلنساني. وهذه الدراسة تحاول أن تلقي الضوء على نظريات العالقات الدولية لمسألة األمن اإلنساني من خالل التساؤل الرئيس التالي: ما هو التنظير الفكري لمدارس العالقات الدولية لمسألة الأمن الإنساني في ظل المتغيرات الدولية الراهنة؟ ويتفرع من هذا التساؤل مجموعة أسئلة فرعية وهي:
- إلي أي مدي يمكن تحديد مفهوم الأمن الإنساني في ضوء التغيرات الدولية الراهنة؟
- ما هو مفهوم العولمة ومدي انعكاسه علي مفهوم الامن الإنساني؟
- ماهي أبعاد ومصادر تهديد مفهوم الأمن الإنساني؟
- ماهي المقاربة المعرفية التي وضعتها نظريات العالقات الدولية لمفهوم الأمن الإنساني؟