https://www.elsiyasa-online.com/ |
علي مكيـد_ عماد معوشي
أظهرت أزمة المديونية، التي تعرضت لها الجزائر في سنة 1993 من جديد، مدى هشاشة الاقتصاد الجزائري الناتجة من تفكك هيكله الاقتصادي، المعتمد بدرجة أساسية على إنتاج وتصدير النفط من جهة، وعلى إشباع معظم حاجاته على الواردات من جهة أخرى، إذ جعلت هذه السمة الاقتصاد الجزائري عرضة لهزات وتقلبات الاقتصاد العالمي، وبخاصة تقلبات سوق المواد الأولية. لذا، فإن وتيرة التنمية في بلادنا تعتمد اعتماداً مباشراً وقوياً على دينامية نمو الاقتصاد العالمي.
لقد أوصلت أزمة المديونية الجزائر إلى حالة العجز عن دفع مستحقات ديونها، وكانت هذه فرصة سانحة للدول المصنّعة الدائنة أن تطالب الجزائر، من خلال المؤسسات المالية الدولية، بضرورة إجراء إصلاحات اقتصادية واجتماعية جذرية تكون بمنزلة المضاد الحيوي الذي يمكّن الاقتصاد الجزائري من اكتساب مناعة ضد التأثيرات السلبية للاقتصاد العالمي وتؤهله للاندماج الإيجابي في التقسيم الدولي للعمل. شرعت الجزائر ـ فعلاً ـ منذ 1994 في إجراء سلسلة جديدة من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية الشاملة. نحاول في هذا البحث تحليل الأشواط التي قطعتها بلادنا في تطبيق هذه الإصلاحات، وما تبقى فعله والعقبات التي تقف في وجه ذلك.
لجأت الجزائر في فترة السبعينيات وحتى بداية الثمانينيات ـ فترة التصنيع المكثف ـ إلى مصادر التمويل الخارجية، كمصدر إضافي لتمويل تنفيذ مخططات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، لكن اللجوء المكثف إلى استعمال هذه الموارد مع تدهور شروط الحصول عليها أدى إلى ارتفاع سريع للمديونية، وأدخل البلاد في أزمة مديونية خانقة، بلغت ذروتها مع نهاية سنة 1993 وبداية 1994. في هذه الفترة وصل الاقتصاد الجزائري إلى حافة الانهيار المالي، حيث توقفت الدولة موقتاً عن دفع مستحقات ديونها الخارجية، حينها وصلت مستحقات خدمة الدين (8,4 مليار دولار) إلى مستوى عادلَ تقريباً العائدات من الصادرات (9 مليارات دولار).
إن استفحال أزمة المديونية كان نتاج التفاعل المتزامن لعاملين رئيسيين هما: حلول آجال تسديد جزء كبير من خدمة الديون، وبخاصة منها قصيرة الأجل، والانخفاض الحاد في أسعار النفط في السوق العالمية (أقل من 15 دولاراً للبرميل في سنة 1993)، وكان ذلك بسبب انخفاض الطلب العالمي على هذه المادة الخام نتيجة للكساد الذي أصاب الاقتصاد العالمي في الثمانينيات. إن تزامن حدوث هذين العاملين أدى إلى تراجع كبير في موارد الدولة من العملة الصعبة، ومن ثم إلى انخفاض كبير في قدرتها على الاستيراد، وهو ما أسفر عن شلل شبه تام للاقتصاد الوطني. ومن أجل تحقيق التوازن في ميزان المدفوعات، اضطرت الحكومة إلى تقليص حجم وارداتها بشكل حاد، الأمر الذي ترتب عنه انعكاسات سلبية اقتصادية واجتماعية كبيرة، إذ إن انخفاض الواردات من التجهيزات والحاجات الوسيطية، الموجهة بالخصوص إلى القطاع الصناعي، كانت نتيجته المباشرة تراجع مستويات الإنتاج والتصدير وارتفاع نسبة البطالة، أما تقليص الواردات من المنتجات الاستهلاكية فأدى إلى زيادة التضخم، نتيجة اختلال التوازن بين العرض والطلب العام، وترتب عن ذلك تدهور الظروف المعيشية للسكان. إن تراكم وتفاعل هذه العوامل دفع بالبلاد إلى الأزمة الاجتماعية والسياسية الخطيرة التي عرفتها في التسعينيات، والتي لا تزال تعاني آثارها إلى اليوم.
في الحصيلة، ونتيجة للآثار السلبية لأزمة المديونية، تُعتبر الفترة، من منتصف الثمانينيات وحتى منتصف التسعينيات، عشرية ضائعة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للجزائر.
كان لزاماً على الجزائر، من أجل الخروج من هذه الأزمة، اتخاذ إجراءات حاسمة من أجل الوصول إلى مستوى ما يسمى «القابلية على الاقتراض» (نسبة قيمة خدمة الدين/قيمة الصادرات يجب ألّا تتعدى 25 بالمئة). أمام هذا الوضع، لم يكن أمام الحكومة من خيار، سوى اللجوء إلى المؤسسات النقدية والمالية الدولية، من أجل إعادة جدولة الديون المستحقة، مقابل شروط صارمة تفرضها هذه المؤسسات تتعلق بالإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، تحت ضغط البلدان المصنّعة الدائنة.
أولاً: إعادة جدولة الديون الخارجية
ثانياً: محاربة التضخم
ثالثاً: تطور المديونية الخارجية