بقلم: جان لوك مارتينو(*)
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
على الرغم من أن المتاجرة بالقواعد العسكرية التي تمارسها جيبوتي بمثابة فرصة للدولة للانفراد بمصير فريد؛ لاحتضانها -منذ عام 2017م- القواعد العسكرية لأهم القوات العسكرية على وجه الأرض؛ إلا أن تلك الخطوة قد تُشَكِّل خطرًا على البلاد وخاصة في ظل نسبية المردود المادي الناتج عن إيجار الأماكن لإنشاء تلك القواعد، عطفًا على احتمال تعرُّض سيادة البلاد للتشويه.
ومع أن سلطات البلاد تحتفظ بحق طرد المستأجرين؛ إلا أنه من الناحية العملية تظل هذه السلطة الجبرية صعبة التنفيذ، لكن بإمكان سلطات البلاد إثارة التنافس بين المستأجرين، أو استقطاب دول أخرى لمزيد من الضغط على الدول الموجودة على الساحة.
الإيرادات الناتجة عن المتاجرة بالقواعد العسكرية يتوقع منها الاحتفاظ بالعوامل المواتية:
الإيرادات الناتجة عن المتاجرة بالقواعد العسكرية متعدِّدة وضرورية في تنمية البلاد، ومن وجهة نظر البلدان المستأجرة لإنشاء تلك القواعد فهي ترى أن ظروف استقبال جيبوتي للقواعد ملائمة على ما يبدو.
جيبوتي أمام الفخ الاستراتيجي وانتكاسات المتاجرة بالقواعد العسكرية
في ظل وجود القواعد العسكرية الأجنبية على أراضيها تمارس دولة جيبوتي سيادتها بجيومتر متغير وباستراتيجية سياسية، وعلى الرغم من تشويه سيادتها تحتفظ دولة جيبوتي بمفاتيح القواعد العسكرية.
يشار إلى أن القواعد العسكرية تُشَكِّل عنصرًا تجاريًّا حقيقيًّا ودبلوماسيًّا في نفس الوقت، والواقع أن هناك سوقًا تنافسية لإقامة قواعد عسكرية بشكل دائم، وكثيرًا ما تتنافس الدول الأقل تطورًا فيما بينها لجذب القوات العسكرية الأجنبية والتي تبحث، في المقابل، عن أفضل العروض التجارية لتطوير أنشطتها، وهكذا يصبح الاتفاق الثنائي المتعلق بإقامة القاعدة العسكرية تبادلاً تجاريًّا بين البلد المضيف والدولة المستأجرة.
وكما هو المألوف في الصفقات التجارية، يكون الاتفاق الثنائي أيضًا على سلعة معينة وطرف مقابِل عطفًا على مستند قانوني، وقد تمحورت هذه الصفقة حول تزويد الطرف الآخر، ليس بالأصول المادية فحسب، وإنما أيضًا توفير المناخ الآمن والقابل لتطوير العمليات العسكرية. ومردود هذه الاتفاقيات ليس مقتصرًا على الجانب المادي، بل يشمل أنواعًا أخرى (الضمانات العسكرية، والدعم المادي، وإنشاء البنى التحتية، وغيرها...)، ودعامة هذه الصفقة التجارية تعتمد على الأداة الدبلوماسية كمعاهدة، أو اتفاقيات مبسَّطة.
ثمة دول أخرى في القرن الإفريقي تحتضن القواعد العسكرية غير جيبوتي
إنَّ ازدهار المتاجرة بالقواعد العسكرية في منطقة القرن الإفريقي (1) أدَّى إلى درجة أن عسكرة المنطقة وصلت إلى حدٍّ مثير للقلق؛ حيث إن تعايش القواعد العسكرية لقوات تابعة لمختلف الدول ذات المصالح المتباينة يشكل خطرًا محتملاً على استقرار المنطقة، وقد أضحى القرن الإفريقي -أكثر من أي وقت مضى- في قلب مسرح تنافس الدول العظمى، ودولة جيبوتي تُشكِّل الورقة المحورية في لعب القوات الموجودة في المنطقة. تلك الدولة الصغيرة ذات 818000 نسمة (2015م) أصبحت بمثابة دولة "حامية عسكرية"، والتي جعلت من المتاجرة بالقواعد العسكرية عنصرًا أساسيًّا في تنمية ذاتها، وتحسين مكانتها على المستوى الدولي؛ وبالتالي أصبحت دولة جيبوتي، بعد أربعة عقود من الاستقلال، من العناصر الاستراتيجية على مستوى القارة.
وتلك القواعد العسكرية صاحبت مصير البلاد؛ حيث إن التواجد العسكري الفرنسي في جيبوتي يرجع إلى عهد استقلال البلاد عام 1977م، ويُقدّر عدد عناصر القوات الفرنسية المتمركزة في جيبوتي اليوم بحوالي 1450جندي (2)، متوزعة في عشر ثكنات في مساحة 400 هكتار. ومنذ 2003م تستضيف جيبوتي أكبر قاعدة عسكرية أمريكية على مستوى القارة، وتنشر الولايات المتحدة الأمريكية حوالي 3200 جندي في جيبوتي (مع إمكانية إرسال كتيبة إلى الشرق الأوسط، ويوجد الفريق العاشر من القوات البحرية الخاصة التي يمكن استخدامها في العمليات السرية)، وأكثر من 3000 مدني في قاعدة مساحتها 200هكتار (3).
وأما اليابان فقاعدتها العسكرية صغيرة الحجم، ومكونة من 180 جنديًّا بمدرعات خفيفة في قاعدة عسكرية لا تتجاوز مساحتها 20 هكتارًا(4)، وشأنها في ذلك شأن إسبانيا التي تحتفظ بوحدة متواضعة ومكونة من 50 جنديًّا، ومتمركزة في القاعدة الفرنسية، ودورها الأساسي تسيير طائرات المراقبة البحرية في إطار العملية الأوروبية أتالانتا(5).
ومنذ عام 2014م تمتلك إسبانيا قاعدة عسكرية متواضعة لدعم العمليات الأوروبية في المنطقة(6) والمهمات المشتركة فيما يخص تدريب الشرطة الجيبوتية التي انتهت في نهاية عام 2017م، وتلك القاعدة المتواضعة وذات الـ 300 عنصر على مساحة 10 هكتارات في منطقة المطار داخل العاصمة (انظر الخريطة رقم 1). وأما القاعدة الصينية فهي ستستضيف في المرحلة الأولى 400 جندي، ثم استقبال الآلاف في المراحل اللاحقة (7).
ومن جانبها تستعد السعودية لإنشاء قاعدة عسكرية دائمة في جيبوتي في إطار التعاون الاستراتيجي الذي تم الاتفاق عليه مؤخرًا، والمتعلق باتفاقية التعاون في المجال الأمني بين دولة جيبوتي والمملكة العربية السعودية والموقَّعة في 17مايو 2016م.
(*) يمكن الاطلاع على رابط المقال الأصلي من هنا