قراءة في وعد بلفور الجديد بقيادة تل ابيب وتنفيذ واشنطون



دكتور/ محمد بغدادي   

علامات استفهام كثيرة تفرض نفسها بعد اعلان واشنطون بسيادة تل ابيب على الجولان السورية المحتلة. لماذا أعلن ترامب قراره في هذا التوقيت؟ وما الدوافع التي أتي بها ليعلن وعد بلفور الجديد؟ كيف لواشنطون أن تتحكم بمصير الشعوب وأراضيها؟ وما رأي القوى العظمي في العالم من إعلان واشنطون الأخير؟ وما العلاقة بين وعد بلفور الجديد والضربات المتتالية على غزة؟ إلى أي مدى هناك علاقة بين ما صرحت به الولايات المتحدة حول الجولان وبين مرور عام على نقل السفارة الأمريكية بالقدس ؟ كيف يمكن للدول العربية إستعادة المناطق المحتلة بطرق شرعية؟ وما دور المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية في وقف الإعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة؟ كيف يمكن إنهاء الاستفزاز الأمريكي للدول العربية والذي يأتي على فترات منفصلة؟ كيف يمكن حل القضية الفلسطينية بشيئ من الحيادية وبعيداً عن ازدواج المصالح؟ إلى متى سيظل يأن الشعب الفلسطيني الأعزل؟.
   كما يقال أعطى من لا يملك من لا يستحق، فعلى الرغم من بروز قوى عظمى في العالم إلا أن واشنطون لا تزال لها اليد العليا في رسم وصنع السياسة الدولية، فمنذ 1917 جاء وعد بلفور باعتباره الرسالة اللى ارسلها جيمس بلفور الى اللورد روتشيلد مشيراً فيها لتأييد الحكومة البريطانية لإنشاء وطن لليهود فى فلسطين. وقد أعلن بعد اتفاقية الامير فيصل ملك الحجاز مع وايزمان باعتباره أول رئيس لتل ابيب وتم توقيعها سنة 1915، وتم اعتمادها
رسمياً فى باريس عام1919 لتطبيق وعد بلفور المزعوم.
وها هو التاريخ يعيد نفسه حينما قامت واشنطون بالتوقيع بالاعتراف بسيادة دولة الاحتلال الاسرائيلي على الجولان السورية، في خطوة يعتبرها المحللون السياسيون ضربة قوية للكيان السوري المنهك من حروبه الأهلية وثوراته المتتالية وتعدد الأقطاب الدولية التي تتنازع الحرب داخل دمشق، وها هي دمشق الممزة داخلياً تنال صفعة تأتي إليها من الولايات المتحدة بقيادة واشنطون وبتخطيط إسرائيلي وفي توقيت يراه المراقبون حرج للغاية.
  ولقد تباينت ردود الأفعال الدولية، فهناك من يؤيد وهناك من يعارض، فمن جهتها حذرت موسكو من  موجات عنف جديدة وتصعيد جديد للتوتر على منطقة الشرق الأوسط بعد قرار دونالد ترامب، بالاعتراف بسيادة تل ابيب على الجولان السورية المحتلة، فهي تنبع من كونها غير قانونية فليست واشنطون هي المسئولة والوصية على سوريا، فهي بذلك تتجاهل كل الأعراف الدولية وقرارات مجلس الأمن الدولي”.وأتي القرار الأمريكي بدون دراسة واعية وبدون قراءة للمشهد الدولي بطريقة متأنية خلال لقاء دونالد ترامب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أثناء زيارته لواشنطون. وقبل أيام قليلة على الذكرى الأولى لنقل السفارة الأمريكية إلى “القدس المحتلة”، هذا القرار الذي ازعج الشارع العربي واستثار الغضب من جانب دول العالم، فيما ذكر ترامب مجددا أنه فكر جلياً في هذا القرار، مشيراً إلا أنه قراراً صعباً للغاية حيث أنه كان يفكر فيه كثيراً ولم يفكر أي رئيس لدولة في هذا القرار  
ومن جهتها ، أكدت القاهرة موقفها الثابت باعتبار الجولان أرضا سورية محتلة منذ 1967، كما أكدت مصر على “ضرورة احترام المجتمع الدولي لمقررات الشرعية الدولية من حيث عدم جواز الاستيلاء علي الأرض بالقوة”. فيما ذكر نائب المتحدث الرسمي للأمم المتحدة أن الأمم المتحدة “ملتزمة بجميع قرارات مجلس الأمن الدولي والتي نصت على أن منطقة الجولان محتلة من جانب تل ابيب.  فيما قامت الجامعة العربية بشجب وإدانة هذا القرار واعتبرته خارج على القوانين الدولية . وأعلنت “تل أبيب” سيادتها الكاملة على “الجولان” عام 1981، وسط رفض دولي. ونددت “دمشق” بالموقف الأمريكي، باعتباره “انتهاكا سافرا” للقرارات الدولية.ويأتي هذا فيما بدأت قوات الاحتلال منذ قليل عملية عسكرية على قطاع غزة.
   كما رفضت السعودية والكويت والبحرين القرار الأميركي الأخير،  حيث أعربت الرياض عن رفضها التام والكامل، واستنكارها للإعلان الذي أصدرته إدارة ترامب بالاعتراف بدولة إسرائيل على هضبة الجولان السورية المحتلة”.  كما أن اعتراف ترامب بالجولان باعتبارها أرضا إسرائيلية “ستكون له آثار سلبية كبيرة على مسيرة السلام في الشرق الأوسط وأمن واستقرار المنطقة بأكملها ، كما أكدت الرياض على ضرورة احترام ميثاق الأمم المتحدة. ومن جهتها ‎أعربت أبو ظبي، عن استنكارها  وتنديدها الشديد لقرار الرئيس الأمريكي ترامب، واعتبرت هذه الخطوة تقوض فرص التوصل إلى سلام عادل وشامل في المنطقة، كما أكدت عدم إمكانية تحقيق السلام والاستقرار في ظل هذه الأزمات المتوالية بقيادة واشنطون.كما أسفت الكويت بقرار الإدارة الأمريكية بالاعتراف بسيادة تل ابيب على هضبة الجولان ودعت إلى احترام القوانين الدولية.
   كما ندد البرلمان العربي على رفضه الشديد  للقرار الأمريكي بشأن الاعتراف بسيادة اسرائيل على الجولان السوري ، كما حذّر من النتائج الكارثية للقرار على استقرار وأمن المنطقة.   كما جدد رئيس البرلمان العربي بدعوة المجتمع الدولي التمسك بقرارات الشرعية الدولية باعتبار الجولان أرضًا سورية مُحتلة، وإلزام تل ابيب بتنفيذ هذه القرارات، والتأكيد على عدم أحقية أي دولة الاعتراف بسيادة اسرائيل على هذه الأرض، وقام بتدعيم طلب استعادة سوريا سيادتها الكاملة على الجولان المُحتل حتى حدود يونيو 1967.
فإلى متى ستظل سوريا تعاني وتعاني؟ وكيف يمكن توحيد الصفوف العربية للوقوف على أسباب التخاذل العربي العربي؟ وإلى أي مدى يمكن إنهاء الخلافات العربية العربية؟ ومتى ستحترم تل ابيب القرارات والمواثيق الدولية؟ القضية ليست باعتراف واشنطون بسيادة تل ابيب على الجولان بقدر ما هي استفزاز لمشاعر الدول العربية والإسلامية في فترة مظلمة في تاريخ سوريا الشقيقة. يجب أن نقف ونقف وندرس ونبحث كيف يمكن تحقيق الاستقرار لمنطقتنا العربية في ظل هذا المناخ المتقلب من حروب داخلية وإرهاب يأتي بلا ميعاد.
تعليقات