أزمة النظام السياسي حاليا هي أزمة معقدة ومركبة ومتعددة الأبعاد. ولمحاولة فهم بعض هذه الأبعاد سأركز في هذا المنشور على البعد السياسي للأزمة.
أولا: أزمة الثقة بين الحاكم والمحكوم
لقد سقطت مصداقية النظام السياسي بكل عناصره ومؤسساته وممثليه في أعين الشعب الجزائري المنتفض والغاضب نتيجة تفشي كل أنواع الفساد السياسي والمالي والإداري والأخلاقي. هذا الفساد الذي تفشى في في مناحي الحياة واضحى رأي العين تتداوله الألسن والقنوات. كما فقدت الجماهير الثقة في حكامها. ولا يمكن استرجاع هذه الثقة من خلال بقاء نفس الوجوه في الحكم، وإنما بإثبات حسن النية من طرف السلطة بالاستجابة لمطالب الجماهير المشروعة، والاعتذار والاعتراف بالأخطاء من طرف هؤلاء الحكام.
ثانيا: أزمة مؤسسة الرئاسة
لقد هيمنة مؤسسة الرئاسة في الجزائر على مركز صناعة القرار منذ الاستقلال، من خلال حيازة رئيس الجمهورية على جميع الصلاحيات مما أدى إلى ضعف المؤسسات التشريعية والقضائية وأن تبقى تابعة وخاضعة له. وبالرغم من الاعتراف بوجود توازنات بين اجنحة السلطة الا أن مؤسسة الرئاسة كانت هي الفاعل الرئيس في صنع القرارات. إن ما حدث طيلة ثلاثين سنة من الصراع على مركز القرار بين أجنحة السلطة افقدها توازنها، وزادت اضمحلالا بعد مرض الرئيس وغيابه عن المشهد السياسي. وقد أدى هذا الغياب الى تعاظم أسهم الأجنحة الأخرى وبروز أجنحة جديدة غير دستورية، وجعل من مركز القرار الرئاسي مطمعا لكل القوى الداخلية والخارجية. وأضحت هذه الأخيرة محلا للاحتيال والمكر والخداع والحديث باسم الرئيس الغائب أو المغيب. وعليه يتوجب على الجزائريين التفكير بسرعة في إيجاد حل لهذه المشكلة، وانتخاب رئيس للدولة في أقرب الآجال حتى لا تتعقد الأمور. فإما أن يتفق الجزائريون كل الجزائريين على مخرج سياسي سلس أو يتمسك كل طرف بموقفه ويطول الزمن وتتعب الجماهير وتتأزم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وحينها سيكون الجيش هو
المؤهل الوحيد لملأ الفراغ السياسي. وهنا لا يمكن التكهن بمستقبل الأحداث في ظل التنافس الدولي على مقدرات الجزائر، حيث أن الجزائر دولة محورية في أي ترتيبات إقليمية إو دولية. لقد كانت الجزائر دائما محل أطماع للقوى الاستعمارية وستبقى الى أن يرث الله الأرض. فهي واقعة تحت المراقبة منذ أحداث الربيع العبري في 2011، وكيف استطاعت الجزائر أن تبقى عصية على كل محاولات التغيير. هذه القوى تتابع اليوم حراكنا الشعبي السلمي بكل اهتمام وتضغط على صناع القرار في الجزائر وخاصة على المؤسسة العسكرية من أجل اقتسام كعكة الجزائر والحفاظ على مصالحها. وتأتي على رأس هذه الدول فرنسا، أمريكا، روسيا، الصين. ومن هنا يمكن أن نفهم استنجاد السلطة بالأخضر الابراهيمي ورمطان لعمامرة باعتبارهما دبلوماسيين جزائريين لهما من الخبرة الدبلوماسية في إدارة النزاعات والثورات ما يمكن أن يحلحل الأزمة السياسية الوطنية. ومن جهة أخرى لطمأنة هذه الدول والترويج لمبادرة السلطة في الاستجابة لمطالب الحراك الشعبي. الا أن موقف الجماهير الرافضة لهذين الدبلوماسيين يمكن أن ينسف كل محاولات السلطة اذا لم تستجب لمطالب التغيير الجذري لرموز النظام السياسية والمالية والنقابية والحزبية. فهل ستضحي السلطة بكل انصارها وحلفائها؟ لا اعتقد ذلك على الأقل في الوقت الحالي، وإنما ستحاول بشتى الوسائل الالتفاف على مطالب الجماهير باختراق حراكها وتأميمه، ولديها كل الامكانيات المالية والإدارية والقضائية والتفكير الاستراتيجي.
ثالثا: أزمة الشرعية للنظام
إن خروج الملايين من الجزائريين الى الشوارع منددين بالعهدة الخامسة وبالانتخابات وبالحكومة والمطالبة برحيل النظام، لهو دليل قاطع على أن نظام الحكم اصبح فاقدا للشرعية. ورغم محاولات النظام تزييف هذه الشرعية في مختلف المواعيد الانتخابية الا أن الشعب قال كلمته في الشارع بأغلبية واضحة قاربت الكتلة الناخبة بحوالي 17 مليون أو أكثر. ورغم محاولات استبدال الشرعية التاريخية بشرعية الإنجاز والتغني بها في كل آن وحين، الا أن هذه السلطة افتقدت دوما للشرعية الشعبية حيث لم تتعدى نسبة المشاركة الانتخابية في احسن احوالها 45 بالمائة. وعليه فإن أي حل وأي مشروع سياسي ديمقراطي لا يستند الى شرعية الشعب فهي لاغية ومرفوضة، ولا صوت يعلو فوق صوت الشعب.ولا يمكن تطبيق ذلك فعليا الا من خلال تنظيم انتخابات حرة نزيهة وشفافة توكل مراقبتها والاشراف عليها الى لجنة وطنية مستقلة بعيدا عن السلطة وبحياد تام للإدارة. وبذلك تصبح الشرعية الشعبية وشرعية الصندوق هي الشرعية الوحيدة لتولي المناصب السياسية.
رابعا: أزمة دستورية
إن أصل الأزمات السياسية في الجزائر منذ الاستقلال يتمثل في الخروقات المتتالية للدستور الجزائري. فهل يعقل أن نعدل دستورا ثلاث مرات في مدة 20 سنة، ثم في الأخير نجد أنفسنا مضطرين لتعديله للمرة الرابعة أو لتأسيس دستور جديد. إن المشكل الأساسي والذي أدى لكارثة هو فتح العهدات في سنة 2008 بدعوى الاستقرار والاستمرار. وعليه يجب العودة الى تحديد العهدة الرئاسية كما يجري في جميع دول العالم لكي نسمح بالتداول السلمي على السلطة.بناء على تحليل هذه الأزمات الأربعة والتي تمثل جزءا يسيرا من أزمة المجتمع الجزائري يمكن تصور حلول سياسية ودستورية مستعجلة لأزمة النظام الحالية. نوجزها فيما يلي:أولا: لاثبات حسن النية على السلطة أن تقبل برحيل جميع وجوه النظام السياسية والمالية والنقابية والحزبية، من خلال:– تعيين حكومة تكنوقراطية تحظى بثقة الحراك الشعبي.– ايجاد حل سياسي او دستوري لمنصب رئيس الدولة بعد انتهاء العهدة الرئاسية في 27 ابريل القادم، وضمان خروج مشرف للرئيس.– الابقاء على مبادرة الندوة الوطنية على أن يكون الحراك الشعبي ممثلا بعدد يساوي ممثلي المعارضة الحزبية دون أن تتدخل السلطات العمومية في اختيار هؤلاء. على أن تكون مهمة هذه الندوة البحث في منهجية الانتقال السلمي والديمقراطي للنظام.– اعداد عقد اجتماعي وسياسي واخلاقي تمضي عليه كل الاطراف والحساسيات والمنظمات والأحزاب يتضمن المبادئ الاساسية للديمقراطية وحرية التعبير واحترام الهوية الجزائرية بأبعادها الثلاثة، واستقلال القرار السياسي والاقتصادي والثقافي بعيدا عن أي وصاية خارجية. يكون محترما وملزما لجميع الاطراف. ويكون مرجعا للدستور الجديد. ويوقعه أي رئيس منتخب ويتعهد باحترامه قبل تنصيبه في مؤسسة الرئاسة.– تعديل جزئي لقانون الانتخابات وفقا لما تقترحه توصيات الندوة الوطنية. على أن يسمح لكل الجزائريين في الداخل والخارج للترشح لرئاسة الجمهورية واشتراط معايير الكفاءة والنزاهة لذلك.– حل البرلمان الجزائري بغرفتيه.– اجراء انتخابات رئاسية في أجل لا يتعدى 6 اشهر .– يتكفل الرئيس الجديد باستكمال التغيير السياسي المنشود وتنفيذ توصيات الندوة الوطنية واحترام بنود العقد الاجتماعي والسياسي.هذه نظرتنا لأفضل الحلول واسرعها وأسلمها نرجو من الزملاء المختصين والاصدقاء قراءتها بتمعن ومحاولة اثراءها ونشرها على أوسع نطاق، مرحبا بجميع الآراء والانتقادات.
لقد سقطت مصداقية النظام السياسي بكل عناصره ومؤسساته وممثليه في أعين الشعب الجزائري المنتفض والغاضب نتيجة تفشي كل أنواع الفساد السياسي والمالي والإداري والأخلاقي. هذا الفساد الذي تفشى في في مناحي الحياة واضحى رأي العين تتداوله الألسن والقنوات. كما فقدت الجماهير الثقة في حكامها. ولا يمكن استرجاع هذه الثقة من خلال بقاء نفس الوجوه في الحكم، وإنما بإثبات حسن النية من طرف السلطة بالاستجابة لمطالب الجماهير المشروعة، والاعتذار والاعتراف بالأخطاء من طرف هؤلاء الحكام.
ثانيا: أزمة مؤسسة الرئاسة
لقد هيمنة مؤسسة الرئاسة في الجزائر على مركز صناعة القرار منذ الاستقلال، من خلال حيازة رئيس الجمهورية على جميع الصلاحيات مما أدى إلى ضعف المؤسسات التشريعية والقضائية وأن تبقى تابعة وخاضعة له. وبالرغم من الاعتراف بوجود توازنات بين اجنحة السلطة الا أن مؤسسة الرئاسة كانت هي الفاعل الرئيس في صنع القرارات. إن ما حدث طيلة ثلاثين سنة من الصراع على مركز القرار بين أجنحة السلطة افقدها توازنها، وزادت اضمحلالا بعد مرض الرئيس وغيابه عن المشهد السياسي. وقد أدى هذا الغياب الى تعاظم أسهم الأجنحة الأخرى وبروز أجنحة جديدة غير دستورية، وجعل من مركز القرار الرئاسي مطمعا لكل القوى الداخلية والخارجية. وأضحت هذه الأخيرة محلا للاحتيال والمكر والخداع والحديث باسم الرئيس الغائب أو المغيب. وعليه يتوجب على الجزائريين التفكير بسرعة في إيجاد حل لهذه المشكلة، وانتخاب رئيس للدولة في أقرب الآجال حتى لا تتعقد الأمور. فإما أن يتفق الجزائريون كل الجزائريين على مخرج سياسي سلس أو يتمسك كل طرف بموقفه ويطول الزمن وتتعب الجماهير وتتأزم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وحينها سيكون الجيش هو
المؤهل الوحيد لملأ الفراغ السياسي. وهنا لا يمكن التكهن بمستقبل الأحداث في ظل التنافس الدولي على مقدرات الجزائر، حيث أن الجزائر دولة محورية في أي ترتيبات إقليمية إو دولية. لقد كانت الجزائر دائما محل أطماع للقوى الاستعمارية وستبقى الى أن يرث الله الأرض. فهي واقعة تحت المراقبة منذ أحداث الربيع العبري في 2011، وكيف استطاعت الجزائر أن تبقى عصية على كل محاولات التغيير. هذه القوى تتابع اليوم حراكنا الشعبي السلمي بكل اهتمام وتضغط على صناع القرار في الجزائر وخاصة على المؤسسة العسكرية من أجل اقتسام كعكة الجزائر والحفاظ على مصالحها. وتأتي على رأس هذه الدول فرنسا، أمريكا، روسيا، الصين. ومن هنا يمكن أن نفهم استنجاد السلطة بالأخضر الابراهيمي ورمطان لعمامرة باعتبارهما دبلوماسيين جزائريين لهما من الخبرة الدبلوماسية في إدارة النزاعات والثورات ما يمكن أن يحلحل الأزمة السياسية الوطنية. ومن جهة أخرى لطمأنة هذه الدول والترويج لمبادرة السلطة في الاستجابة لمطالب الحراك الشعبي. الا أن موقف الجماهير الرافضة لهذين الدبلوماسيين يمكن أن ينسف كل محاولات السلطة اذا لم تستجب لمطالب التغيير الجذري لرموز النظام السياسية والمالية والنقابية والحزبية. فهل ستضحي السلطة بكل انصارها وحلفائها؟ لا اعتقد ذلك على الأقل في الوقت الحالي، وإنما ستحاول بشتى الوسائل الالتفاف على مطالب الجماهير باختراق حراكها وتأميمه، ولديها كل الامكانيات المالية والإدارية والقضائية والتفكير الاستراتيجي.
ثالثا: أزمة الشرعية للنظام
إن خروج الملايين من الجزائريين الى الشوارع منددين بالعهدة الخامسة وبالانتخابات وبالحكومة والمطالبة برحيل النظام، لهو دليل قاطع على أن نظام الحكم اصبح فاقدا للشرعية. ورغم محاولات النظام تزييف هذه الشرعية في مختلف المواعيد الانتخابية الا أن الشعب قال كلمته في الشارع بأغلبية واضحة قاربت الكتلة الناخبة بحوالي 17 مليون أو أكثر. ورغم محاولات استبدال الشرعية التاريخية بشرعية الإنجاز والتغني بها في كل آن وحين، الا أن هذه السلطة افتقدت دوما للشرعية الشعبية حيث لم تتعدى نسبة المشاركة الانتخابية في احسن احوالها 45 بالمائة. وعليه فإن أي حل وأي مشروع سياسي ديمقراطي لا يستند الى شرعية الشعب فهي لاغية ومرفوضة، ولا صوت يعلو فوق صوت الشعب.ولا يمكن تطبيق ذلك فعليا الا من خلال تنظيم انتخابات حرة نزيهة وشفافة توكل مراقبتها والاشراف عليها الى لجنة وطنية مستقلة بعيدا عن السلطة وبحياد تام للإدارة. وبذلك تصبح الشرعية الشعبية وشرعية الصندوق هي الشرعية الوحيدة لتولي المناصب السياسية.
رابعا: أزمة دستورية
إن أصل الأزمات السياسية في الجزائر منذ الاستقلال يتمثل في الخروقات المتتالية للدستور الجزائري. فهل يعقل أن نعدل دستورا ثلاث مرات في مدة 20 سنة، ثم في الأخير نجد أنفسنا مضطرين لتعديله للمرة الرابعة أو لتأسيس دستور جديد. إن المشكل الأساسي والذي أدى لكارثة هو فتح العهدات في سنة 2008 بدعوى الاستقرار والاستمرار. وعليه يجب العودة الى تحديد العهدة الرئاسية كما يجري في جميع دول العالم لكي نسمح بالتداول السلمي على السلطة.بناء على تحليل هذه الأزمات الأربعة والتي تمثل جزءا يسيرا من أزمة المجتمع الجزائري يمكن تصور حلول سياسية ودستورية مستعجلة لأزمة النظام الحالية. نوجزها فيما يلي:أولا: لاثبات حسن النية على السلطة أن تقبل برحيل جميع وجوه النظام السياسية والمالية والنقابية والحزبية، من خلال:– تعيين حكومة تكنوقراطية تحظى بثقة الحراك الشعبي.– ايجاد حل سياسي او دستوري لمنصب رئيس الدولة بعد انتهاء العهدة الرئاسية في 27 ابريل القادم، وضمان خروج مشرف للرئيس.– الابقاء على مبادرة الندوة الوطنية على أن يكون الحراك الشعبي ممثلا بعدد يساوي ممثلي المعارضة الحزبية دون أن تتدخل السلطات العمومية في اختيار هؤلاء. على أن تكون مهمة هذه الندوة البحث في منهجية الانتقال السلمي والديمقراطي للنظام.– اعداد عقد اجتماعي وسياسي واخلاقي تمضي عليه كل الاطراف والحساسيات والمنظمات والأحزاب يتضمن المبادئ الاساسية للديمقراطية وحرية التعبير واحترام الهوية الجزائرية بأبعادها الثلاثة، واستقلال القرار السياسي والاقتصادي والثقافي بعيدا عن أي وصاية خارجية. يكون محترما وملزما لجميع الاطراف. ويكون مرجعا للدستور الجديد. ويوقعه أي رئيس منتخب ويتعهد باحترامه قبل تنصيبه في مؤسسة الرئاسة.– تعديل جزئي لقانون الانتخابات وفقا لما تقترحه توصيات الندوة الوطنية. على أن يسمح لكل الجزائريين في الداخل والخارج للترشح لرئاسة الجمهورية واشتراط معايير الكفاءة والنزاهة لذلك.– حل البرلمان الجزائري بغرفتيه.– اجراء انتخابات رئاسية في أجل لا يتعدى 6 اشهر .– يتكفل الرئيس الجديد باستكمال التغيير السياسي المنشود وتنفيذ توصيات الندوة الوطنية واحترام بنود العقد الاجتماعي والسياسي.هذه نظرتنا لأفضل الحلول واسرعها وأسلمها نرجو من الزملاء المختصين والاصدقاء قراءتها بتمعن ومحاولة اثراءها ونشرها على أوسع نطاق، مرحبا بجميع الآراء والانتقادات.
بقلم Djilali Bechlaghem